الانعكاسات الاستراتيجية للتمدد الإماراتي في اليمن

الانعكاسات الاستراتيجية للتمدد الإماراتي في اليمن

21 مارس 2018

مقاتلون يمنيون من عدن إلى باب المندب (1/10/2015/فرانس برس)

+ الخط -
الإمارات العربية المتحدة كيان فيدرالي، تشكل من اتحاد إمارات الساحل العماني السبع الواقعة في الزاوية الجنوبية الغربية من الخليج العربي، في الساحل الذي كان يسمى بالساحل المتصالح، أو المتهادن Trucial Oman. ولكن الطبيعة الاقتصادية واعتبارات مساحة الإمارات المختلفة جعلت اثنتين من هذه الإمارات السبع مهيمنة على الدولة الوليدة، إمارتا أبوظبي بالدرجة الأولى، ودبي بالدرجة الثانية، حيث استحوذتا على المناصب الرئيسية، فقد احتفظت إمارة أبوظبي برئاسة الاتحاد، ووزارات الخارجية والداخلية، والقيادة العامة للقوات المسلحة. فيما حصلت إمارة دبي على منصب نائب رئيس الاتحاد ورئيس الحكومة الاتحادية ووزارة الدفاع التي يتنفذ بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وقد فقدت دولة الإمارات العربية المتحدة ثلاثاً من جزرها المهمة في مدخل مضيق هرمز، عشية حصولها على استقلالها من بريطانيا عام 1971، وعشية الانسحاب البريطاني من الخليج العربي، نتيجة استراتيجية الانسحاب من شرقي السويس التي قرّرتها الحكومة البريطانية، وما زالت هذه الجزر ذات الموقع الحيوي بيد إيران، المهدد الأول لاستقرار إقليم الخليج العربي.

الأهمية الاستراتيجية للإمارات
تتمتع دولة الإمارات، من الناحية الجيوبولوتيكية، بموقع فائق الأهمية الاستراتيجية، ما يتيح لها القدرة على التصرف في الإقليم بشكلٍ يؤمن مصالحها، فيما لو أحسنت توظيف هذا الموقع لصالحها، وهي تتفوق في ذلك على أربع من شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي عدا عُمان، حيث لها إطلالتها على خليج عُمان، في ساحل يبلغ طوله حوالي ستين ميلاً ينفتح من دون عوائق ملاحية، أو مضائق على بحر العرب والمحيط الهندي.
ويزيد من أهمية دولة الإمارات ازدهارها الاقتصادي الذي تضاعف بشكل متسارع، منذ نالت استقلالها، بما يعادل حوالي عشرين ضعفاَ، وقد وظفت هذه الوفرة المالية باتجاه تحسين نوعية الحياة لمواطنيها في الداخل أولاً، ولتنمية مصالحها الخارجية بتوظيف القوة الناعمة التي تؤسسها الوفرة المالية، فللإمارات شراكات اقتصادية واستثمارية وتنموية مع بلدان عديدة داخل محيطها الجغرافي وخارجه.
بعد أن تزايد الدور القيادي لولي عهد أبوظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، نتيجة للحالة الصحية غير المعروفة لأخيه غير الشقيق، رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، وبعد تراجع قوة الضغط التي شكلتها إمارة دبي قبل الأزمة المالية العالمية التي تأثرت الأخيرة بها سلباً، وجه الشيخ محمد بن زايد جل اهتمامه لتنمية القوات المسلحة وتطويرها، من خلال تطوير استراتيجية الأمن القومي للدولة، وتأمين متطلبات هذا التطوير من منظومات تسليح وبنى تحتية، كالقواعد الجوية والمطارات والموانئ. وقد تحددت ملامح استراتيجية الأمن القومي لدولة الأمارات بالنقاط المفتاحية التالية:
1. تعبئة مواردها البشرية والطبيعية للتعويض عن النقص البين في عدد السكان والمساحة المحدودة للدولة.
2. إنشاء البنى التحتية اللازمة لمتطلبات استراتيجية الأمن القومي، وبضمنها مجال الأمن الافتراضي (Cybersecurity).
3. السعي إلى تحقيق عمق استراتيجي فيما وراء البحار، من خلال بناء منشآت عسكرية 
إماراتية في أراضي طرف ثالث، من خلال اتفاقيات ثنائية، وتوظيف القوة الناعمة التي تتوفر عليها دولة الإمارات، وبذلك تتمكن من نشر قواتها وقدراتها في تلك المنشآت.
4. التأكيد على مركزية تحالفها الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية.
5. إدامة روابط وعلاقات متينة مع الولايات المتحدة الأميركية.
6. المشاركة في الاقتصاد الكوني ومظاهر الثقافة المعولمة الأخرى.
7. محاربة كل أنواع الأسلمة (Islamism) ومطاردة الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
8. تحديد النفوذ الإيراني في العالم العربي، ببذل أكثر الجهود تصميماً وعزماً.
9. استخدام القوة الناعمة، كالمعونات الإنسانية والتنمية والاستثمارات سوية مع القوة الخشنة (العسكرية ومثيلاتها) لتعزيز المصالح القومية للدولة.
10. تنمية وإدامة التعاون الحيوي مع أقطار مجلس التعاون الخليجي ودول جامعة الدول العربية والشركاء الدوليين.
وهنا ينبغي مراعاة السعي الإماراتي إلى محاصرة قطر، وشطب تأثيرها الإقليمي والدولي لأسباب ذاتية، ربما تخص ولي عهد أبوظبي بشكل محدد. وقد كانت الأزمة الحالية التي انفجرت أحدثتها السعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن مصر، فرصة اهتبلتها الإمارات للإمعان في حصار قطر، وتفكيك عناصر قوتها الناعمة، وهو أمر تسبب في تفكيك مجلس التعاون الخليجي. وقد استخدمت دولة الإمارات مبيعات السلاح واحدة من وسائل القوة الناعمة لاستمالة الدول إلى جانبهم، وإنْ لم تنل هذه السياسة، وما سبقها من استراتيجية محاصرة قطر، النجاح المرجو.
ليس لما سبق، على أهميته، علاقة باليمن. هو عرض للقدرات الإماراتية بشكل عام. وقد شكلت عملية عاصفة الحزم (تحولت إلى عملية إعادة الأمل) التي شنها تحالف بقيادة السعودية عام 2015، للقضاء على سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن، فرصة ذهبية للإمارات، لكي تطبق ما جاء في المادة 3 أعلاه، فتمددت في الشطر الجنوبي السابق في اليمن، من عدن وحتى حضرموت، وأنشأت قوىً مسلحةً يمنيةً ترتبط بها، وليس بالحكومة الشرعية، وشجعت انفصاليي الجنوب على العمل، وأمدتهم بالإمكانات وسلحتهم، وذلك كله بهدف إيجاد مجال حيوي تتحرك فيه الإمارات لتعزيز وجودها على بحر العرب وخليج عدن، وقد نجحت في ذلك، فللإمارات وجود مهم وذو مغزى في عدن ومحيطها، كما تفيد الشواهد بأنها طورت لنفسها تسهيلاتٍ بحرية وجوية في جزيرة سقطرى اليمنية ذات الأهمية الحيوية في خليج عدن، من ناحية سيطرتها على الملاحة فيه. ولم تكتفِ الإمارات بما حصلت عليه من تسهيلات ووجود عسكري فعلي على البر اليمني وجزيرة سقطرى، بل ذهبت إلى ما أبعد من ذلك، في سعي يبدو كأنه يريد أن يسيطر على مداخل مضيق باب المندب، ففضلاً عن الحضور الإماراتي المكثف في الشطر الجنوبي السابق، تمدّدت الإمارات إلى ميناء بربرة على رأس القرن الأفريقي في جيب صومالي لاند الذي يسعى إلى الحصول على اعتراف دولي، فوقعت الإمارات اتفاقية مع سلطات بربرة للحصول على تسهيلات بحرية. وقد بلغت المساحة المتعاقد عليها حوالي 40 كيلومتراً مربعاً، وقد ضمنت دولة الإمارات مقابل هذه القاعدة تأمين التدريب الأمني والدعم والحماية للمنطقة المستقلة ذاتياً، بما يشبه غطاءً أمنيا تؤمنه الإمارات لمنطقة أرض الصومال (صومالي لاند) التي تقع الصومال إلى جنوبها. وفي الوقت نفسه، ولبيان حجم الانخراط الإماراتي في شأن منطقة أرض الصومال المستقلة ذاتياً وقعت سلطة موانئ دبي العالمية عقداً بمبلغ 442 مليون دولار، لتطوير ميناء بربرة، وإدارته ثلاثين عاماً، ما سيضاعف من قدرة هذا الميناء الذي سيتاخم منطقة حرة بكل منشآتها المساعدة، ما سيؤمن بوابة للتجارة الإثيوبية.
سيكون الوجود، بهذا الشكل المكثف والمتطور على الساحل الجنوبي لخليج عدن تأثير حيوي ومهم على مجريات الأحداث في اليمن بضوء الانخراط الإماراتي واسع النطاق في الشطر 
الجنوبي من اليمن وتطويرها لنقاط ارتكاز وقواعد برية وبحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب. وكذلك في ميناء عصب في إريتريا، حيث حولته الإمارات إلى قاعدة جوية وبحرية، تستخدمها في إسناد عملياتها البرية في اليمن. وقد خسرت سلطة موانئ دبي العالمية عقداً مهماً لإدارة أرصفة دوراله للحاويات (Doraleh Container Terminal) في ميناء جيبوتي، كانت قد وقعت عليه مع السلطات الجيبوتية، بعد خلافات مع هذه السلطات التي تتهم سلطة موانئ دبي العالمية بدفع رشىً لتمديد مدة الاحتكار إلى خمسين عاماً. ويعد ميناء جيبوتي أحد أهم الموانئ التي تربط المحيط الهندي مع إثيوبيا والداخل الأفريقي، حيث ينتهي بها رأس خط سكك الحديد المتوّجه إلى الداخل الأفريقي. وكانت محكمة التحكيم البريطانية قد أسقطت التهم التي وجهتها سلطات جيبوتي عام 2014، ما جعل السلطات الجيبوتية تتخذ هذا الإجراء. وفي الحقيقة، يعد إلغاء هذا الامتياز خسارة بينة لدولة الإمارات، ذلك أن موقع جيبوتي الحيوي في كبد خليج عدن على الشاطئ الأفريقي، المسيطر على الملاحة عبر مضيق باب المندب من جهة، قد أحدث شرخاً في هذ السلسلة من الموانئ والقواعد والتسهيلات التي تبنيها الإمارات في هذ المنطقة، وتأمل تعويض ذلك بتطير منشآتها في ميناء بربرة الذي تداولته أيادٍ بريطانية وروسية وأميركية.
أما في اليمن نفسه، فكما فصلنا آنفاً استطاعت الإمارات أن تستحوذ على جزيرة سقطرى، وألحقت بها جزيرة بريم في مدخل باب المندب من ناحيته الجنوبية. أما على البر اليمني، فقد توسع الوجود العسكري الإماراتي، ليشمل كلا من الشحر والمكلا في محافظة حضرموت، وتمثل المكلا ميناءً طبيعياً ممتازاً على بحر العرب المفتوح، فهي تتوسط الساحل الجنوبي للجزيرة العربية من جهة، وتنفتح على مياه المحيط الهندي بلا عوائق من جهة أخرى، وتتيح لمن يسيطر عليها مراقبة، بل وتهديد سابلة المواصلات البحرية (Sea Lanes)، وقد ساعد المارينز الأميركي القوات الإماراتية في الوصول إلى ميناء المكلا والشحر.
قد نتساءل عن الأسباب الدافعة لسعي الإمارات هذا، وهو سعي يتطلب أساساً قدرةً بشريةً ذات كفاءة على الفعل بمهنية وحرفية عالية، بينما الوضع الديموغرافي في الإمارات لا يساعد على تلبية هذه المطالب اللازمة. يبلغ إجمالي عدد سكان الإمارات حالياً حوالي 9.346.000 نسمة، حيث يمثل عدد المواطنين من سكان الإمارات 1,588,820 نسمة (17% من السكان)، فيما عدد الوافدين ما إجماليه 7,757,180 من إجمالي عدد السكان في أحسن التقديرات. تبين هذه الأرقام التي أعلنها في العام 2017 المدير العام للهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، عبدالله ناصر، الاختلال البنيوي الذي تعاني منه دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها الإمارات، فبنسبة كهذه لا تشعر الدولة بالأمن الداخلي، خصوصاً إذا ما توترت العلاقات بين الإمارات والدول الموردة للعاملين، وهو سيناريو لا يمكن إغفاله. وفي الوقت نفسه، لا يكفي عدد المواطنين بأي شكلٍ لإيفاء متطلبات الأجهزة الأمنية والعسكرية من الكوادر القادرة على التعامل مع التقانة العسكرية والأمنية الحديثة، فمن أين ستأتي الإمارات بالفرق وبالكفاءات. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات قد فرضت الخدمة الإلزامية على مواطنيها، عند بلوغهم سن الثامنة عشرة عاما، إلا أن محدودية عدد المواطنين يجعل من التغذية السنوية للمواليد الجدد المساقين إلى الخدمة الإلزامية، لا يكفي للايفاء بالمتطلبات من القدرة البشرية.
تفيد دراسات عديدة بأن دولة الإمارات تعتمد كثيراً على المتعاقدين، وهم مقاتلون مستأجرون (مرتزقة) من جنسيات معينة، يعرفون برقي تدريبهم، وإجادتهم العمليات القتالية، لكنهم يقاتلون من أجل المال، وليس من أجل هدف أسمى كالوطن. هنالك معلومات مؤكّدة أن الإمارات وظفت خدمات شركة بلاك ووتر الأميركية السابقة، ذات الماضي السيئ في العراق. شكلت الشركة، شركة إماراتية قادها ضابط الفقمات البحرية الأميركية السابق (Navy Seals)، إيريك برنس، وعهد إليه بمهمة تطويع الكوادر من المرتزقة والتعاقد معهم. تقول مصادر إنه لا يوجد في القيادة الإماراتية العليا إلا عدد محدود من الإماراتيين، حتى أن قائد الحرس الرئاسي هو الأسترالي كارل هندمارش (Hinmarsh). بهذه الطريقة، استطاعت قوات الإمارات المشاركة في حرب اليمن، فمن بين المقاتلين هناك يندر أن ترى من يحمل المواطنة الإماراتية، ويبدو أن للفاجعة التي أحاقت بالقوات المسلحة الإماراتية في مأرب في اليمن، عندما فقدت أكثر من 200 مقاتل سقط عليهم صاروخ حوثي عام 2015 دوراً في تجنيد المرتزقة، تخلصاً من الامتعاض والغضب الداخلي بسبب الخسائر. ومع ذلك، تشير المعطيات إلى أن موقف القوات القتالية الإماراتية في اليمن كان كالتالي:
عدد المقاتلين: 4000 فرد. مقر قيادة لواء (Brigade HQ) يقود القوات التالية:

جحافل معركة (Battle Groups). وحدات قوات خاصة. دبابات ليكليرك (Leclerc) عجلات قتال مدرعة (BMP3) مدافع ذاتية الحركة عيار ملم 155 (G-6) مدافع ذاتية الحركة من عيار 155 ملم من طراز Moob9 A3. هاونات ذاتية الحركة من طراز العقرب عيار 120 ملم (Agrab MK2). غطاء الدفاع الجوي الذي أساسه منظومة باتريوت PAC3
لا حاجة لهذه المعلومات في هذه الورقة. يكفي القول إن الإمارات استخدمت قوات عسكرية مجهزة ومتقدمة وقادرة.
لعل حجم القوات المشار إليها أعلاه يبين بوضوح أسباب تفوق الإمارات العربية في جنوب اليمن، لو أخذنا بالاعتبار نوعية القوة القتالية من ناحية، وإمدادها عناصر جنوبية بالأسلحة والتجهيزات والتدريب، بحيث حولتها إلى قوة حاسمة، لو تم انفتاحها في المكان. وقد رأينا ذلك عملياَ في الحالات التي حاصرت فيها قواتٌ مواليةٌ للإمارات مقر الحكومة في عدن ومبان ومؤسسات أخرى. وهنا نتساءل عن النوايا الحقيقية للإمارات العربية المتحدة فيما يخص اليمن، وهل هي ترمي فعلاً إلى تقسيم اليمن، وإعادة التشطير بتبنيها عناصر جنوبية انفصالية، ما يعد تدخلاً سلبياً في الشأن الداخلي اليمني. وهو أمر بدا واضحاً من إنشاء الإمارات سجونا سرية استدعت احتجاجات الحكومة اليمنية، ومنظمات حقوق الإنسان ومسؤولين دوليين.
بلغ التدخل الإماراتي في الشأن اليمني حداً يثير تساؤلاتٍ كثيرةً، بشأن مدى التزام دولة الإمارات بتعهداتها، حين انضمامها إلى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وهو التحالف الذي تأسس لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216/2015 المتخذ بالإجماع، وتحت الفصل السابع في 17 إبريل/ نيسان 2015، والذي يشير إلى تأكيد مجلس الأمن في قراره على تمسكه بوحدة اليمن، وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه. من هنا تكون التساؤلات حول حقيقة دور الإمارات العربية المتحدة مشروعة، فهل دور دولة الإمارات في اليمن هو فعلاً داعم لوحدة اليمن، وسيادته وسلامة أراضيه، أم هنالك أهداف ونوايا أخرى غير معلنة، تسعى دولة الإمارات إلى تحقيقها، بالاشتراك في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؟

دوافع الإمارات للتوسع
يتيح الموقع الجيوبوليتيكي للإمارات التخلص من التأثيرات السلبية التي يضفيها الوجود داخل الخليج العربي شبه المغلق والمسيطر عليه من قوى تعمل في مضيق هرمز، وفي مقدمتها إيران وما يتمخض عن ذلك من تهديد أمن الإبحار وسلامته. فللإمارات ساحل يطل على خليج عُمان ذي المياه العميقة، والمفتوح على البحر العربي والمحيط الهندي، من دون عوائق، كما سبقت الإشارة أعلاه.
يقع ميناء الإمارات العربية المتحدة الرئيسي في جبل علي في إمارة دبي على الخليج العربي، وهو بذلك محكوم بمضيق هرمز. من هنا، فإن الأجدر بدولة الإمارات أن تفكر بتطوير ميناء خور فكان الذي يقع ضمن أراضي إمارة الشارقة، والمطل على خليج عُمان، أو تطوير ميناء الفجيرة في إمارة الفجيرة على خليج عُمان أيضاً، بدلاً من الذهاب بعيداً إلى بربرة في الصومال، أو عصب في إريتريا.
صحيح أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد بدأت تشعر بالقلق، نتيجة تطوير باكستان مجمع 
ميناء كواتر (جوادر)، بحيث يتجاوز قدرات ميناء جبل علي وإمكاناته، باعتباره أكبر موانئ الخليج العربي، وما تردد من تطوير إيران مجمع جاه بهار على بحر العرب، وكذلك تطوير عُمان ميناء دقم على بحر العرب، ربما بمساعدة قطرية، إلا أن رد فعل الإمارات ينبغي أن ينطلق من الاستفادة من الإمكانات التي يتيحها الموقع الجغرافي أولاً، لضمان السيادة الوطنية الكاملة على منشآت وطنية، ذات أهمية استراتيجية، قبل الذهاب للإعارة والتأجير في أراضي الغير، وهو أمر غير مضمون على المدى البعيد. وبدلاً من التحرك بهذا الشكل الذي لا يرضي الطرف المقابل، وهو الحكومة اليمنية الشرعية مثلاً، وتشجيع الانفصال، فإن من المفيد ضمان وحدة اليمن، والدخول معها بكيان فدرالي أو كونفدرالي، ما سيعود على دولة الإمارات بأكثر الفوائد، لأنه سيحل لها معضلة النقص الديمغرافي الذي تعاني منه.
يشكل اليمن خزاناً بشرياً هائلاً للعروبة، ولو حاولت دول مجلس التعاون الخليجي أن تتصرف بحكمة، ومن دون أنانية، لضمته لمجلسها عضواً أصيلاً، والارتفاع بالعلاقات البينية إلى المستوى الفيدرالي أو الكونفيدرالي. فماذا يضير دول الاتحاد الأوربي من اتحادها. وما الذي أخل بسياداتها ووحدة ترابها الإقليمية؟ وسنرى كم ستخسر بريطانيا من خروجها من هذا الاتحاد.
وهنالك نقطة حيوية أخرى على دولة الإمارات إعارة الاهتمام إليها، وهي عائدية جزرها التي تشكل جزءاً من ترابها الوطني، والتي تحتلها إيران بشكل غير شرعي ولا قانوني. ومن الأجدر الانتباه إلى هذا الموضوع الحيوي، واستكشاف السبل الكفيلة بإعادة الجزر إلى وطنها الأم، والتمتع بالمزايا الجيوستراتيجية التي ستعود عليها. للنظر فيما وراء الحدود ثمنٌ لا بد من أدائه ثمنا ماديا وآخر معنويا. كما أن الانخراط بالتنافس مع قوى أخرى، كتركيا مثلاً في القرن الأفريقي، فقط لمجرد التنافس لن يعود على هذه الدولة أو تلك بأي مزية، سوى أنه سيستهلك من استثمارها الدبلوماسي والاستراتيجي كثيراً.
نقطة أخرى مهمة هي السبب وراء كل هذا المسعى الإماراتي بالتوسع، هي أن الاعتماد على صداقات شخصية في الغرب، وفي الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، لن يكون ذا مردود مضمون على المدى البعيد، فما الذي عاد على الإمارات من كل الجهود والأموال التي صرفها سفيرها يوسف العتيبة، والكل يرى موقف الولايات المتحدة من النزاع الخليجي، وهو موقف ليست الإمارات العربية المتحدة ومعها السعودية سعيدتين به، وما هو موقفها بعد تخفيض الضمان الأمني لحليفها القوي داخل البيت الأبيض، صهر الرئيس، جاريد كوشنير.
ومن ناحية أخرى، لن تستطيع الإمارات وحدها أن تشكل نداً لإيران، ولا مجال في عالم القرن الحادي والعشرين أن يعاد سيناريو التدخل لإخراج العراق من الكويت. لذلك، ينبغي العمل وبجدية وبنفس طويل على توظيف القوة الناعمة التي تتوفر عليها الإمارات العربية المتحدة ومعها السعودية وقطر، بعد حل الخلافات غير الجوهرية لبناء تحالف، أو اتحاد كونفدرالي خليجي، يضم له اليمن وربما الأردن، وحتى العراق بعد إخراجه من المدار الإيراني عند ذلك. سيكون لدول المجلس قدرة ردع ذات مغزى، تجبر إيران على الجلوس والتفاوض. ليست ملكية الأموال كل شيء، بل القدرة على توظيف هذه الأموال بما يعود على المجلس بالنفع.
يحمل تركيز السلطة في الدولة بيد شخصية طموحة، هو الشيخ محمد بن زايد، خطراً ماثلاً. ولنا هنا أن نستذكر كل الشخصيات الطموحة التي مرت على وطننا العربي، واستنباط الدروس من فشلها.
08A6C6A7-5596-4EDC-ACA9-A8FCF4C66DBF
عبد الوهاب القصاب

خبير عسكري، وكاتب وباحث، ضابط سابق برتبة لواء في الجيش العراقي