السعودية ولبنان.. التطبيع الحذر

السعودية ولبنان.. التطبيع الحذر

03 مارس 2018
+ الخط -
منذ أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من الرياض، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وما اكتنفها من غموض وتكهنات، ظلّت العلاقات السعودية اللبنانية في حالة من البرودة والشك والفتور، حتى جاءت زيارة موفد ملك السعودية، نزار العلولا، إلى بيروت قبل أيام، حيث التقى رؤساء الجمهورية، ميشال عون، والمجلس النيابي، نبيه برّي، والحكومة، سعد الحريري، فضلاً عن مسؤولين آخرين حزبيين وسياسيين وسابقين. وقد حمل الموفد السعودي، على ما صدر من دوائر المسؤولين الذين زارهم، رسالة من المملكة تكرّر فيها الطلب من الحكومة اللبنانية الضغط على حزب الله، لوقف حملاته على دول الخليج، وتحديداً على السعودية والبحرين، والحفاظ على مسافةٍ وسط في العلاقة بينه وبين إيران من ناحية، وبينه وبين السعودية ومحورها من ناحية أخرى، وقد ربطت الرسالة (الشفوية) مشاركة بعض دول الخليج (السعودية والبحرين وربما الكويت) في مؤتمرات دعم لبنان المقررة في روما وباريس، بنتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض، والتي قام فيها تلبية لدعوة رسمية من الملك سلمان بن عبد العزيز، حملها الموفد السعودي.
هي إذاً محاولة سعودية جديدة لتطبيع العلاقة مع لبنان، ومن مصلحة لبنان، بكل تأكيد، تطبيع 
هذه العلاقة، لكن الحقيقة تقال هنا: إن كلاً من الطرفين حذرٌ في كل خطوة يمكن أن تجري في مسار هذا التطبيع. فقدت السعودية إمكانية التأثير اللازم والكبير الذي كانت تتمتع به خلال العقود الماضية على قوى وشخصيات لبنانية حليفة، خصوصا بعد أزمة استقالة الحريري من الرياض، والشكل الذي تأكد أنها فُرضت عليه من دون نظرٍ إلى المصلحة اللبنانية. وقد تجلّى ذلك فيما بعد في موقف الحريري منها، وتراجعه عنها، واستمراره في أدائه السياسي السابق كالمعتاد. وبالتالي، لم يعد رهان السعودية على حلفاء في الداخل اللبناني كما كان في السابق. وكذلك الأمر بالنسبة للبنان الرسمي والشعبي في شقه المحسوب على السعودية. ليس لبنان الرسمي مستعداً للاستجابة للمطالب السعودية التي لا تأخذ مصالحه بالاعتبار، بل تقدّم تطلعات قيادتها الحالية على كل ما سواه. ولم يعد لبنان الشعبي، في شقه الذي كان محسوباً على السعودية، يثق بوعود المملكة، ولا بقرارات قيادتها، ولعلّ أزمة استقالة الحريري من الرياض كَوَت (من الكي) ذاكرة هذه الشريحة، وجعلتها أكثر حذراً في التعامل مع المملكة، على الرغم من كل الضجيج الإعلامي الذي يحمل دوماً الثناء والشكر لقيادتها. هو إذاً حذرٌ من كلا الجانبين يحتاج إلى وقت، لبناء المصداقية وتجديدها، حتى مع توفّر الرغبة، عند الطرفين، في إعادة تطبيع هذه العلاقة.
تعكس محاولة تطبيع العلاقة اليوم حجم فشل السياسات السعودية تجاه لبنان والمنطقة، إذ إن أغلب اللبنانيين كانوا، في العقود السابقة، يثقون بالسعودية وقياداتها ثقة عمياء، ومستعدين للسير معها في أعقد الملفات وأصعبها دونما نظر للعواقب. أما خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأ منسوب هذه الثقة يقلّ ويتراجع، وبدأ حجم الاستعداد لمسايرة السعودية يتلاشى، وهو ما أفقد المملكة ورقة ضغط مهمة، كانت تحتفظ بها في لبنان. وكان هذا الموقف تجاه لبنان جزءاً من سياق المواقف التي اتُخذت تجاه دول أخرى في المنطقة والإقليم، وهو ما سنكتشف معه لاحقاً محاولات أخرى لتطبيع العلاقة مع دول شقيقة أو صديقة، تم التعامل معها بمنطق الاستعلاء وامتلاك القرار.
الجميع في لبنان يعرفون ويدركون أن زيارة الموفد السعودي، أخيرا، جاءت في سياق إعادة وصل ما انقطع، ومحاولة لاستعادة بعض من الدور والثقة، لكن الجميع يدركون أيضاً أن إعادة الأمور إلى نصابها لن تكون سهلة، وأن التطبيع يحتاج وقتا، وخطوات عملية تبرهن، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الاحترام بين الأشقاء يجب أن يكون قائماً، ولكن "المونة" لا يمكن أن تبني احتراماً ناجزاً، وعلاقات مستقرة ومستمرة.