جنوب السودان والجامعة العربية

جنوب السودان والجامعة العربية

20 مارس 2018
+ الخط -
بعد أيام من انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم، في يوليو/تموز 2011، أعلنت جامعة الدول العربية أنّ ميثاق الجامعة ينص على ضرورة إقرار دساتير الدول، اللغةَ العربية لغة رسمية، لكي تنضم إليها. وهو ما لا ينطبق على دولة جنوب السودان، حيث رفضت السلطات الحكومية في جوبا إدراج العربية ضمن اللغات الرسمية في دستورها، مبرّرة بأنّها لا تربطها علاقة مباشرة مع العالم العربي؛ لأنّه لا يقع في محيطها. كما أنّ الشعور الشعبي تجاه القبائل العربية في شمال السودان ما زال راسخاً في الذهنية الجنوبية.
تراجعت دولة جنوب السودان عن هذا كله، فأثارت مطالبتها بالانضمام إلى جامعة الدول العربية جدلاً أكثر مما أثاره انضمام الصومال وجيبوتي، على اعتبار أنّ لغتهما الرسمية ليست العربية، ولكن مجلس الجامعة رأى أنّ أصل الشعبين عربي، فقبِل عضويتهما. أما الوضع في حالة جنوب السودان فشديد التعقيد، إذ لن يتمكن مجلس الجامعة من إثبات عروبة لسان أو نسب أصل شعب الجنوب الزنجي امتدادا للأصل العربي.
بالنظر إلى ضرورة إقرار دساتير دول الجامعة العربية لغة رسمية، فإنّ هذا لا ينطبق على دولة جنوب السودان، فاللغة الرسمية منذ عام 1928هي الإنجليزية، واعترف بها لغة أساسية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وهي لغة التعليم والحكومة والأعمال. كما توجد في جمهورية جنوب السودان لغات أفريقية محلية عديدة، أما اللغة العربية فتستخدم باسم عربي جوبا، وقد تكونت في القرن التاسع عشر بين أحفاد العساكر السودانيين، وهي منحدرة من لغة قبيلة باري التي تستخدم على نطاق واسع.

الهدف الذي أعلنته حكومة الجنوب من أجل الانضمام رغبة جوبا في المشاركة بمداولات جامعة الدول العربية بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، وحتى يتسنى لها مراقبة الأوضاع في المنطقة العربية، والمساهمة في مناقشة القضايا الحيوية التي تهم مستقبل البلاد مع العالم العربي. ويمكن حصر الدوافع الأخرى في إطارين: اقتصادي، وهو يبرّر خطوة الحكومة التي تبحث عما يقيل عثرتها من العجز بالإيفاء بمتطلبات الحياة الكريمة لمواطنيها. وأقصر الطرق إن استجابت لأجندة بعض الدول الإقليمية هو الحصول على قروض ومساعدات مالية من الصندوق العربي للتمويل، بجانب جذب المستثمرين العرب. ولعلّ في تجربة السودان الاستعانة بالدول العربية لفك الحصار والعقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليه من الغرب، محفّزاً لذلك. الدافع الثاني سياسي، وهو أنّ الانضمام لجامعة الدول العربية سيقوي الموقف السياسي للرئيس سلفا كير، في الحرب بينه وبين خصومه المنشقين عن الحركة الشعبية لتحرير السودان. وفوق ذلك، تتوقع حكومة الجنوب أن تقف مجموعة الدول العربية في مجلس الأمن بجانبها، وتصوّت لصالحها فيما يتعلّق بقرارات ملف السلام، أو تجهض أي قرارات قد تقضي بفرض عقوبات عليها، بسبب ما ترتكبه من مجازر، وفشلها في عدم الوصول إلى سلام مع المتمردين.
ويمكن النظر إلى دولة جنوب السودان، مع وضع اعتبار لضعفها البائن، بأنّ مطامع الدول الأخرى تحركها، والمستفيد الأول من هذا الانضمام هو نظام عبد الفتاح السيسي في مصر. ففي الجولة الأفريقية لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، الأسبوع الماضي، تم الإعلان عن إنشاء آلية للتشاور السياسي مع جوبا، ومقابلات تشمل لجنة تسيير الحوار الوطني هناك، ضمن أهداف تعزيز التعاون الثنائي، والتشاور بشأن ملفات إقليمية، خصوصا تطورات سد النهضة الإثيوبي. وقد تطورت علاقات مصر مع دولة الجنوب الجديدة إلى أبعد من تاريخ الدولة كجزء من بلد شقيق، فقد استضافت مصر قيادات من لجنة مبادرة الحوار الوطني في جنوب السودان، لتدريبهم على "الوساطة والتفاوض، وتنظيم الانتخابات، وإنشاء المؤسسات الوطنية".
بإمكان مصر الاستفادة من انضمام دولة الجنوب لجامعة الدول العربية، خصوصا بعد أن أصبحت إحدى دول حوض النيل، وبالتالي، فإنّ توقيعها على اتفاقية عنتيبي 2010 التي ترفضها مصر سوف يؤثر سلباً على موقف القاهرة، في ظلّ حياد الخرطوم من الاتفاقية. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن ينقذ مشروع قناة جونقلي في أرض الجنوب مصر من خطر سدّ النهضة، بيد أنّ هذا المشروع يحتاج إلى تمويل ضخم، لا تقوى مصر على تحمّله وحدها، وليس هناك من سبيل إلّا أن يجيء تحت مظلة جامعة الدول العربية وبدعمها.
تقف حجج من التاريخ القريب شاخصةً أمام هذا الترويج لضم جنوب السودان للجامعة. إذ لا بد من النظر إلى أنّ أزمة جنوب السودان الأساسية، والتي أدت، في النهاية، إلى انفصاله عن السودان، هي عدم اعترافها بالمكوّن العربي أو الإسلامي الذي يرتبط بشمال السودان الممزوج بالمكوّن الزنجي، فكيف بالدول العربية. كما يمكن دحض فرية أنّ ضم دولة جنوب السودان يجيء في صميم مواجهة المخططات الإسرائيلية في القارة الأفريقية، لأنّ هذا الحديث لا يخلو من الطرافة، وعدم الاتساق معاً، كون أنّ أغلب أعضاء الجامعة على علاقة جيدة بإسرائيل دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً، كحال دولة جنوب السودان التي تربطها علاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني أو تزيد. وإن لم تكن أرض مصر المنبسطة بوابة إسرائيل إلى العمق الأفريقي، فلن تكون أدغال جنوب السودان وأحراشه. ثم ليس في يد دولة الجنوب الضعيفة ما يفيد الاستقواء بها ضمن زعم خطة التحرك العربي للتصدّي لترشح إسرائيل لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2019- 2020، في ظل وجود سفارة لجامعة الدول العربية في جوبا، كما لإسرائيل أيضاً.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.