إيران والانتخابات العراقية

إيران والانتخابات العراقية

20 مارس 2018
+ الخط -
تتصاعد حملة الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في العراق، والمقررة في الثاني عشر من مايو/ أيار المقبل، ومعها يتصاعد أيضاً التدخل الخارجي والنفوذ الأجنبي في بلد بات محل استقطاب دول المنطقة عموماً، ناهيك عن الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
ومع كل انتخابات، يتجدد الحديث عن العامل الخارجي ودوره في صنع مستقبل العملية السياسية في العراق لأربع سنوات مقبلة، فالانتخابات في العراق لم تكن في أي يوم انتخابات العراقيين، بقدر ما كانت انتخابات العامل والنفوذ الخارجي، إلا أنها هذه المرة تبدو أكثر صراحة، ووقاحة إن شئت الدقة.
في الدورات الانتخابية السابقة، كانت إيران، بحكم نفوذها وتغلغلها في العراق، لاعباً رئيسياً، فحتى الدور الأميركي كان يتضاءل إزاء الدور الإيراني، ولنا في انتخابات 2005 و2010 و2014 أمثلة واضحة، إلا أن انتخابات عام 2018 ستكون انتخابات الخارج بالدرجة الأولى، بعد أن بدأت أميركا حملتها الشرسة على ايران، ولو إعلاميا، فمنذ أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو لا يكف عن تهديده ووعيده لإيران.
كما ستشهد انتخابات هذا العام دخول لاعب إقليمي جديد الساحة العراقية، وهو اللاعب السعودي، الذي يبدو أنه، وبدفع من أميركا، بغرض تقليص النفوذ الإيراني في العراق، دخل الساحة ولو متأخرا، وهو ما تراه إيران وتراقبه عن كثب، وتغض الطرف عنه، لأنها تدرك أنها ليس في وارد الدخول في مواجهة مع أميركا حاليا؛ في هذه الأجواء العدائية لها داخل إدارة ترامب.
ترى إيران أن انتخابات 2018 مهمة جدا لاستمرار نفوذها في العراق، فهي أولاً تريد أن تجري الانتخابات في موعدها، وهو ما أكدت عليه مراراً وتكراراً، ورفضت كل الدعوات التي خرجت من القوى السياسية السنية إلى التأجيل.
الأمر الآخر أن إيران تريد لهذه الانتخابات أن ترسخ قوى الحشد الشعبي المسلحة سياسياً، ولا بأس إن حاولت أن تدفع باتجاه أن يكون رئيس الوزراء من داخل هذه القوى السياسية التي شكلت حديثاً للدخول إلى الانتخابات، فالحشد الشعبي بمثابة الحرس الثوري العراقي، وهو يدين، في جزء كبير من تشكيلاته، بالولاء للمرشد الإيراني الأعلى، فهو جيش عقائدي، صرفت عليه إيران أموالاً طائلة، وحاربت به تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، بل إنها مدت
الحوثيين في اليمن بعشرات بل مئات من هذه الملشيات التي دربت جماعة الحوثي على كيفية إطلاق الصواريخ البالستية، واستهداف العمق السعودي.
ثالثا، يلعب المال الإيراني في هذه الانتخابات دوراً قذراً، وإذا كان هذا المال موجودا مع كل انتخابات، إلا أنه كان يوجه إلى القوى الشيعية، وليس كلها طبعا، أما في هذه الانتخابات، فإنه تجاوز القوى الشيعية ليشمل القوى السنية، وهو ما حذّر منه وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، والذي صرح إن إيران تسعى بالمال إلى التأثير على الانتخابات العراقية، وقال إنه مال كبير جدا.
تريد إيران من خلال دعم بعض القوى السنية في هذه الانتخابات أن تحقق لنفسها نفوذا أكبر في داخل النسيج السني. صحيح أن مليشياتها، ممثلة بقوى الحشد الشعبي، موجودة في المدن السنية بعد تحريرها من "داعش"، إلا أنها تبقى قوى غريبة وغير مقبولة من السكان المحليين. وبالتالي، كان لا بد لإيران أن تبحث عن حلفاء لها من داخل تلك المنطقة، يؤمنون لها نفوذاً أقوى، في حال تعرّضت مصالحها في العراق لأي تهديد أميركي.
الأمر الرابع، أن إيران التي سمحت للسعودية بالدخول إلى العراق، تريد أن توصل رسالة إلى الرياض، وغيرها، أن أمر العراق محسوم، ولا مجال للدخول في سباق خاسر ضدها فيه. ومن هنا، رفضت إيران تحالف ائتلاف الفتح الذي يضم فصائل الحشد الشعبي من التحالف مع ائتلاف النصر، برئاسة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الذي تقف خلفه أميركا والسعودية وقوى إقليمية وعربية، خصوصا بعد أن اشترط العبادي أن يكون المرشح لمنصب رئاسة الحكومة بعد الانتخابات.
اخيراً، من غير المستبعد، والوضع هكذا، أن تلعب إيران لعبتها الأهم، وهي ترشيح شخصية من داخل ائتلاف الفتح (قوى الحشد الشعبي) ليكون رئيسا للوزراء، خصوصا وأن هذا الترشيح يمكن أن يجد له قبولا؛ ليس من قوى شيعية وحسب، وإنما أيضا من قوى سنية، ارتضت لنفسها أن تمد يدها إلى المال الإيراني في لعبة الانتخابات.
بنيت العملية السياسية في العراق، عقب الغزو الأميركي عام 2003، على أسس خاطئة، فهي عملية كان أساسها التهميش والإقصاء، أسهمت القوى المدعومة إيرانيا في تشكيل لبناتها، في ظل غياب أغلب مكونات الشعب العراقي. وبالتالي، فإن ما نتج وسينتج عنها؛ ليس سوى مزيد من التشرذم والإقصاء؛ فالمشهد الانتخابي يعاد كل أربع سنوات، من دون تغيير؛ إلا بالقدر الذي يتيح للسياسيين البقاء أطول فترة ممكنة، ومن خلفهم طبعا الدول الداعمة لهم، وفي مقدمتها إيران.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...