المرأة والمشرّع المغربي

المرأة والمشرّع المغربي

18 مارس 2018
+ الخط -
دخلت حياة المرأة مع بزوغ الإسلام وانتشار تعاليمه السامية مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها، بحيث أصبحت مستقلة بذاتها ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
وقد اعتبر الإسلام المرأة كالرجل، كائنا ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار، ويسير بمعية الرجل على طريق التكامل وتبادل الأدوار، ولذلك خاطب الله تعالى الرجل والمرأة معا في بيان واحد حين قال: (يا أيها الناس... ويا أيها الذين آمنوا)، ووضع لهما منهجا تربويا وأخلاقيا وعلميا ووحدهما بالسعادة الأبدية الكاملة في الآخرة، وأكد أن الجنسين معا قادران على انتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنوي والمادي لبلوغ الحياة الطيبة، بحيث يرى المرأة كما يرى الرجل إنسانا مستقلا حرا.
قضية المرأة من القضايا المحورية التي يجب النظر إليها في إطار الرؤية القرآنية الكلية للحياة والأحياء، ذلك أن العلاقة بين المرأة والرجل فيما هو معلوم لدينا من الرؤية القرآنية، علاقة تكامل في إطار وحدة الخلق.
من هذا المعين، استمدت مدونة الأسرة كل عناوينها ومقوماتها، من أجل حماية المرأة، الطرف الأضعف، ولضمان حقوق الطفل، وبالتالي حماية الأسرة من كل أشكال الحيف وعدم الإنصاف، ودعم المشرع هذه الحماية بعدد هام من الإجراءات والآليات، ولهذا وبالقياس إلى ما كان عليه الأمر في السابق، فإن المدونة الجديدة حققت قفزة مهمة للمجتمع في قضايا الأسرة تسمح بالنهوض بقضايا المرأة من جهة، وتسمح بمعالجة كل التجاوزات والاختلالات الملاحظة من جهة أخرى، في أفق إيجاد علاقات أسرية يسود فيها العدل والمساواة والإنصاف.
وإلى جانب مدونة الأسرة، فقد قام المغرب خلال العشرية الأخيرة أيضا، بإصلاحات قانونية مهيكلة تخص المرأة، ومن ذلك قانون الجنسية الذي استفرد به على مستوى العالم العربي، وتعديل القانون الجنائي وقانون الشغل، بالإضافة إلى إنجازات على مستوى الحقوق الاجتماعية والسياسية، في التعليم والصحة والشغل والمشاركة إلى جانب الرجل في مواقع القرار.
كما صادق المغرب، في الآونة الأخيرةـ على قانون يجرم العنف ضد النساء، هو الأول من نوعه منذ تأسيس البرلمان، وشمل القانون تصرفات مثل الإكراه على الزواج والتحرش الجنسي والتهرب من دفع النفقات ومتطلبات الأسرة الأساسية.
غير أن تحقيق كل هذه المكتسبات لا يعني عدم وجود مشاكل ومطبات تخص واقع وحاضر المرأة، فما يزال مجتمعنا يعاني من ظاهرة تعنيف الزوجات وزواج القاصرات ومشكلة ارتفاع نسبة الطلاق التي حاول بعضهم ربطها بمسطرة الشقاق، في حين أن الطلاق في المغرب، كما تقول أسماء المرابط، يعود بالأساس "إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسرة المغربية في الوقت الراهن، وأيضا إلى سهولة إجراءات مسطرة التطليق بالشقاق بالنسبة للنساء".
ولذلك ولمواجهة مثل هذه المشاكل، كان من اللازم تعزيز كل المكتسبات والإنجازات التي حققها المغرب في مجال حماية المرأة، بتأسيس مراكز للدراسات والبحوث، من أجل تنشيط حركية البحث العلمي في الدراسات الإسلامية وإبراز الخصوصية الدينية والروحية الوطنية، ويعتبر تأسيس مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام أحد المبادرات المهمة في هذا الميدان، إذ سيعكف على مراجعة التراث الإسلامي بخصوص قضايا المرأة وإشاعة خطاب علمي وهادئ ورصين حول مختلف القضايا النسائية في الإسلام.
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)