خبر من جنوب السودان

خبر من جنوب السودان

15 مارس 2018
+ الخط -
الخبر يتوفر على مقدارٍ من الإثارة، موجزه أن دولة جنوب السودان تقدّمت رسميا بطلب الانضمام لجامعة الدول العربية، والغرابة فيه أن هذه الجامعة جهاز بيروقراطيٌّ بائسٌ متيبس، لا تكترث به أي من الدول الأعضاء فيه، ولا يبدو أن ثمّة نفعا منه يغري الدولة التي قامت انفصالا عن دولةٍ عربيةٍ بالالتحاق به. والظاهر أن رغبة جنوب السودان هي أن تكون في الجامعة المذكورة عضوا كاملا، غير أن عناد القائمين عليها، عندما رفضوا جعل اللغة العربية واحدةٌ من اللغات الرسمية في دولتهم، لا يُيسر لهم هذه العضوية التي تشترط هذا الأمر (كما فعلت جيبوتي والصومال وجزر القمر). وعلى أي حال، يبقى السؤال قائما عن "الدافع" وراء هذا الطلب الذي مرّ الخبر بشأنه من دون انتباهٍ إلى العجيب الذي يشتمل عليه، وقد بدا أن كلام المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية في جنوب السودان غير مقنع أن بلاده تريد هذه العضوية لتتسنّى لها "المساهمة في مناقشة القضايا الحيوية التي تهم مستقبل البلاد مع العالم العربي"، فجامعة الدول العربية لم تعد منذ عقود منبرا لمناقشة أي من القضايا الحيوية، وإنما هي منصة لإصدار البيانات التقليدية، ومنتدىً للفرجة في مناسبات المنازعات والخلافات، وما أكثرها.

واحد من أهم أسباب انفصال جنوب السودان دولة قائمة بذاتها أن الزعامات المليشياوية والقبلية الذين حملوا السلاح عقودا تطلعوا إلى الانفصال بدعوى أن السكان ليسوا عربا. وقد أفرطوا في الازورار عن العرب، إلى الحد الذي حملهم على إقامة أوثق العلاقات مع إسرائيل، في سنوات الحرب ضد الخرطوم، وكذلك في الراهن الذي يبدو فيه الرئيس سلفاكير ميارديت شديد الولع بالدولة العبرية، وربما يعتبرها النموذج الأكثر إغراءً للكيان الذي يشتهي أن تقتديه دولته، جنوب السودان. لم يحفل العرب بهذا الأمر، غير أنه للحق، ثمّة من عمل منهم على إقامة صلاتٍ حسنةٍ مع السودانيين الجنوبيين، لما كانت هذه تسميتهم. ويُحسب للأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أنه عمل، قبيل الاستفتاء، على الاستقلال، والذي نظم في يوليو/ تموز 2011، من أجل تأمين شبكة تنميةٍ واستثمارٍ عربيةٍ في منطقة جنوب السودان، سبيلا لوحدةٍ جاذبةٍ بديلةٍ عن انفصالٍ لن يأتي للدولة الوليدة بالنفع المراد، واستجابت مؤسساتٌ وصناديق عربية، وقدّمت دولٌ عربيةٌ مساهماتٍ طيبةً في هذا الخصوص (الكويت وقطر مثلا)، غير أن الحسابات في جوبا كانت في غير هذا المطرح، وفاقت نسبة المصوتين بالانفصال عن الشمال 98%.
هل هو فشل هذه الدولة المستحدثة على غير صعيد، في التنمية وإرساء نظام حكم راشد، وفي الخروج من أجواء الاحتراب وجولات الاقتتال الأهلي، هو ما يجعل لديها الرغبة في العضوية في مؤسسةٍ فاشلة، اسمها جامعة الدول العربية؟ للسؤال ما يسوّغه، وإنْ يبدو أقرب إلى المزاح. ولكن، لجامعة الدول العربية مكتب في جوبا، وشارك أمينها العام السابق، نبيل العربي، في حفل إعلان الاستقلال في صيف 2011، مع الرئيس السوداني عمر البشير. وهذا كله وغيره يعني أن خيطا عربيا ينبغي أن يظلّ قائما مع الدولة المتحدّث عنها، والتي تعتبر عنوانا ساطعا للفشل المريع. عدا عن أن نسبةً وازنةً من السكان يتحدثون العربية التي تستخدمها وسائل الإعلام، التقليدية والجديدة بشكل واسع في البلاد. وكان من طيب الأخبار، الشهر الماضي، أن ملك المغرب، محمد السادس، أدى زيارة إلى جوبا، لم يسبقه إلى مثلها أيٌّ من أقرانه العرب (باستثناء البشير).
جاءت التقديرات أن ترحيبا غير قليل تم بشأن الطلب الرسمي الذي أودعته دولة جنوب السودان، وأن رفضا غاضبا أبدته الخرطوم في هذا الخصوص. وأيا يكن الحال، على الرغم من الكساح المعلوم في مؤسسة جامعة الدول العربية، والحال العربي العام البالغ الشناعة، لا بأس من النظر إلى الخطوة باعتبارها مؤشرا إلى رغبة بعلاقات أوثق أقوى مع الجوار العربي، وإن ارتدى الأمر لبوسا نفعيا، من ناحية حرص جوبا على أن تظلّ في صورة المداولات الجارية بشأن مياه النيل، ومن ناحية الإفادة من أي دعمٍ وإسناد مالي واستثماري عربي. وهذا كله مشروع، ويبقى أن نلحظ انتباها مصريا وخليجيا ومغاربيا أكثر التفاتا، وبجديةٍ، إلى شؤون هذه الدولة الجارة، فثمّة لنا فيها بعض الرصيد على أي حال.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.