الشرق الأوسط بين العشوائية وصفقة القرن

الشرق الأوسط بين العشوائية وصفقة القرن

15 مارس 2018
+ الخط -
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو MENA) Mideast and North Africa) هذا هو المصطلح الذى يستخدمه الغرب عموماً للمنطقة التي نعيش فيها، وتضم البلدان العربية، ويقع معظمها في غرب آسيا، ودول شمال أفريقيا العربية، بالإضافة إلى كل من إيران وتركيا، ودولة الكيان الصهيونى إسرائيل، ذلك هو الشرق الأوسط بمفهومه التقليدي الذي كان سائداً حتى بدايات الألفية الثالثة، عندما بدأت أميركا في طرح أفكار جديدة حول شرق أوسط كبير، ثم تطور الأمر إلى شرق أوسط جديد.
ولأن الأمور جرت في هذه المنطقة، خلال المائة عام الماضية، منذ تشكل الشرق الأوسط على قاعدة سايكس - بيكو الشهيرة، على غير هوى القوى العظمى الجديدة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، والتي شعرت بخطر محتمل قادم من ذلك الشرق الأوسط، لو بقي على حاله، يتمثل في نمو التيارات الإسلامية المتشددة، وتجدد فكرة الخلافة الجامعة للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى صعود بعض القوى القومية ذات الطابع العسكري التي تدعو إلى وحدة عربية. إضافة إلى ما تعانيه مجتمعات تلك المنطقة وشعوبها من تخلف، وقهر، فى ظل نُظم حكم ذات طابع شمولي سلطوي، سواء كانت ملكية مطلقة، أو جمهورية ذات طابع عسكري.
هذا ما آلت اليه نُظم الحكم في الشرق الأوسط والعالم مُقبل على الألفية الثالثة. وكانت تلك النُظم قد أفرزت جماعاتٍ راديكالية عديدة، ما بين جماعات متشددة ومتطرّفة عقائدياً ومذهبياً، وجماعات يسارية أناركية وفوضوية، وجماعات الفساد الممنهج والجريمة المنظمة. أما الفئات الأضعف في تلك المجتمعات، فلم يكن أمامها سوى الخضوع للقهر، أو الاتجاه نحو الهجرة غير الشرعية في اتجاه الغرب.
دقّ ذلك كله ناقوس الخطر للولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها، فخرجت الأفكار بشأن إجراء تغيير جوهري وجاد في تلك المنطقة، وذلك عبر إيجاد حالة من الفوضى الخلاقة، تهيئ 
الظروف لعملية إعادة هيكلة للمنطقة، كان من المفترض أن تتمخض عن شرق أوسط جديد، قائم على معايير جديدة، خصوصا أن المنطقة كانت قد تعرّضت لعدة هزات عنيفة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، أبرز تلك الهزات كانت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979، والتي أحدثت تحولا جوهريا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، ثم الغزو العراقي للكويت في 1990 واحتلالها، في سابقة تاريخية، وما أعقب ذلك الغزو من تدخل أميركا المباشر لتحرير الكويت، ثم غزو العراق نفسه في مارس/ آذار 2003.
دفع ذلك كله أميركا إلى المضي في خططها الخاصة بإثارة حالة الفوضى الخلاقة التي تؤدي إلى قيام شرقها الأوسط الجديد، كانت أداتها الرئيسية في البداية، حليفها الرئيسي في المنطقة، دولة العدو الإسرائيلي، فكانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006، ثم الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة. والمعروف أن حروب دولة العدو الإسرائيلي، وما يترتب عليها من جرائم حرب، لا تُقابل بأي رد فعل من النُظم العربية، وهي أكثر ما يثير حنق الشعوب العربية وغضبها تجاه حكامها، ويشيع حالة من التوتر العام، وهو المناخ الملائم لإحداث/ وقوع حالات الفوضى، والتي قد تؤدي إلى التغيير المنشود.
جاءت أحداث الربيع العربي، وثوراته التي انطلقت من تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2010، ووقفت الشعوب العربية كلها ترقب، وتترقب تطورات ما يجري حتى هروب بن علي، وتوالت ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن وسورية، إضافة إلى بعض الانتفاضات الشعبية المحدودة، في عدد من الدول، مثل الأردن والمغرب والجزائر، وغيرها.. وتصورت أميركا وحلفاؤها، في البداية، أن الوقت قد حان لإحداث التغيير المطلوب لإعادة هيكلة الشرق الأوسط، ولكن رياح الربيع العربى لم تأت بما يشتهي الثوار، ولا بما تشتهي أميركا، فلا الثورات اكتملت، ولا التغيير الذي تتمناه أميركا وقع.
الواقع أنه، وبعد كل تلك الأحداث التي شهدتها المنطقة، لا الشرق الأوسط القديم بقي على حاله، ولا تشكل الشرق الأوسط الجديد الذي كان مأمولاً، وعمت المنطقة حالاتٌ من التفكّك، والفوضى الهدامة، والاقتتال والصراعات الدموية، والتدخلات الإقليمية، والدولية، وأصبحت المنطقة مؤهلةً لأن تكون منطقة عشوائية بامتياز، لا تحكمها ضوابط سلوكية محدّدة، على الرغم من أهميتها الچيوسياسية البالغة، وهي في قلب العالم، وحلقة الوصل بين الشرق والغرب، وأيضاً تمثل مصدراً رئيسيا للطاقة للعالم، وهو أمر لا يمكن قبوله بأي حال دولياً، أو إقليمياً، فهناك ثلاث قوى إقليمية كبرى غير عربية، تحيط بالمنطقة، ولكل منها أهدافها وتوجهاتها ومصالحها، وهي تركيا بكل ما تمثله من عمق تاريخي، سياسي، وديني، وثقافي، وإيران بما تحمله من مشروع توسعي مُغلف بغطاء ديني وثقافي، ودولة العدو الإسرائيلي التي ترى أن ما جرى ويجري في الشرق الأوسط يمثل فرصة تاريخية لها لإقامة إسرائيل الكبرى، وفرض هيمنتها على المنطقة، بدعوى الرغبة في التطبيع، والاندماج، والتعاون في مواجهة عدو مشترك لها وللعرب، وهي إيران.
وعلى المستوى الدولي، تبرز روسيا الاتحادية، وهي تسعى فقط إلى أن يكون لها نصيبٌ في تلك المنطقة المشرفة على التمزّق، يتمثل في موطئ قدم على سواحل المياه الدافئة على البحرين، المتوسط والأحمر، ونصيب من الثروات عبر صفقات السلاح.
ماذا عن الدولة الأكبر، وتوجهاتها الكونية؟ أميركا، بكل ما تملك من مراكز دراسات وتفكير، وخبراء وممارسين مُتخصصين فى شؤون الشرق الأوسط، ومؤسسات صُنع السياسات، والقرارات، وبالتعاون والتنسيق مع الشريك الاستراتيجي في المنطقة، وهي دولة العدو الإسرائيلي. أدركت أميركا أن مشروعها للشرق الأوسط الجديد قد فشل، وأنها لا تقبل بشرق أوسط عشوائي، لما يمثله ذلك من أخطار على إسرائيل، وعلى مصالحها الحيوية، وكان لا بد من حل.
جاء ذلك الحل في طرح مشروعٍ يحمل عنواناً براقاً هو "صفقة القرن"، بدا أولاً، وكأنه حل سحري للقضية الفلسطينية. ولكن، وعلى الرغم من عدم الكشف عن مضمون تلك الصفقة، 
وأبعادها الحقيقية، إلا أن الشواهد كلها تدل على أنها أبعد كثيراً من حل القضية الفلسطينية، ولكنها، في حقيقة الأمر، عملية جديدة لإعادة هيكلة المنطقة برؤية مختلفة تماماً عما سبق طرحه. رؤية چيوسياسية تتجاوز ثوابت كثيرة، كانت تحكم علاقات الشعوب والدول، وترسم خرائط جديدة ومرنة للمنطقة، بمسميات برّاقة، مثل المناطق الاقتصادية الخاصة، التي تتجاوز حدود الدول ومياهها الإقليمية، مثل منطقة "نيوم"، والتي تضم أراضي ومياها من العربية السعودية ومصر والأردن في مرحلتها الأولى، وسيكون لكل من إسرائيل وفلسطين (بعد التسوية) دور في ذلك المشروع. هذه رؤية جيوسياسية لها بعد اقتصادي ذو جاذبية للشعوب، خصوصا التي تعاني من مشكلات اقتصادية.
هكذا سيصبح مشروع "نيوم" نموذجا يمكن تكراره بصور وأشكال مختلفة، كما يمكن تكرار نموذج التعاون المصري - الإسرائيلي في موضوع الغاز، مصر تشتري الغاز من إسرائيل التي تستخرج الغاز وتصدّره إلى مصر خاما، ثم تقوم مصر بتسييل "الغاز الإسرائيلي" وتسويقه خارجياً وداخلياً.
يمضي المشروع الأميركي في هدوء، لا أحد يكشف عن تفاصيله "تجنباً لجدل الشعوب، والأشرار"، ولا حديث عن شرق أوسط قديم، ولا جديد. فقط هناك "صفقة قرن" ستعود بالرخاء على الجميع، شريطة التخلي عن مفاهيم، مثل الأرض والحدود والمقدسات والحقوق التاريخية، والتخلي عن مشاعر العداء والثأر ضد من سلبوا الأرض، وهتكوا العرض، وقتلوا الأب والابن والأخ، واعتقلوا الأطفال والنساء، ولا يزالون .. ثم يطلبون منا الاعتراف بيهودية أرضنا، وقدسنا.
يبقى سؤال الشعوب العربية.. هل تفيق الشعوب، وتدرك أنها ستقع بين سندان عشوائية المنطقة ومطرقة صفقة القرن الصهيوأميركية.
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.