المغرب والاتحاد الأوروبي.. الشراكة المُختلة

المغرب والاتحاد الأوروبي.. الشراكة المُختلة

13 مارس 2018
+ الخط -
أعاد قرار محكمة العدل الأوروبية، بشأن اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إلى الواجهة الاختلالات التي تعرفها الشراكة بين الطرفين. وباتت السلطات المغربية مطالبةً بتدبير التداعيات المحتملة لقرار المحكمة، استبعاد مياه الصحراء المغربية من نطاق تطبيق هذا الاتفاق الذي يجمع المغرب والاتحاد، وينتهي العمل به في يوليو/ تموز المقبل.
تشمل علاقة الطرفين عددا من القطاعات الحيوية، أبرزها الفلاحة، والصيد البحري، والهجرة، والأمن، والجريمة المنظمة، والإرهاب العابر للحدود. ويجعل هذا التداخل من الصعوبة بمكان حصر هذه العلاقة في جوانب قانونية وتقنية، بالنظر إلى حجم المصالح الاقتصادية الأوروبية المرتبطة بهذه القطاعات. ويمثل الصيد البحري أحد العناوين البارزة لهذه المصالح، وأكثرها أهمية، بسبب الدور الكبير الذي تلعبه لوبيات الصيد في عدد من بلدان أوروبا، خصوصا إسبانيا. وعلى الرغم مما يحصل عليه المغرب لقاء استغلال سفن الصيد الأوروبية ثروته السمكية، فذلك قد يبدو هينا، مع ضآلة ما يحصل عليه من عوائد سياسية، لاسيما فيما يتعلق بطبيعة الأسس التي تحكم السياسة الأوروبية تجاه قضية الصحراء المغربية.
لم يلتفت قضاة المحكمة الأوروبية في قرارهم، أخيرا، إلى التأكيدات المتواترة لمسؤولي الاتحاد عن أهمية المغرب، باعتباره شريكا استراتيجيا للاتحاد، في إطار ما يعرف بالوضع المتقدم الذي يحظى به، ولا للدور الذي يقوم به في الحد من الهجرة السرية إلى أوروبا، ولا حتى لأداء أجهزته الاستخباراتية في مكافحة الإرهاب، ورصد تحرّك تنظيمات الجهادية الدولية في منطقة غرب المتوسط والساحل الأفريقي. بل حتى من الناحية القانونية، لم يأخذ هؤلاء بالاعتبار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بنزاع الصحراء.

يعني ذلك أن هناك ازدواجية تحكم سياسة الاتحاد إزاء منطقة جنوب المتوسط، وتحديدا المغرب، وهي ازدواجية تعكس جانبا من براغماتية هذه السياسة في مختلف تعرّجاتها. ولعل ذلك يبدو واضحا، في تعاطي الاتحاد مع تركيا بشأن مشكلة اللاجئين الفارّين من حروب الشرق الأوسط، فهو من جهة اضطر للإذعان لكثير من شروطها. ومن جهة أخرى، كان دالا عدم تحرّك محكمة العدل الأوروبية، لتدلي بدلوها بشأن مدى تطابق إبعاد هؤلاء اللاجئين، ومنعهم من دخول الأراضي الأوروبية، مع مقتضيات التشريع الدولي الإنساني ذات الصلة.
لا يقع ضمن اهتمام قادة أوروبا وانشغالاتهم معاناة المهاجرين، سواء الذين يفدون من بلدان جنوب الصحراء، هربا من الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم، أو الذين اضطرّتهم نيران الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط إلى اللجوء إلى أوروبا عبر الحدود التركية، بحثا عن الأمن والحياة الكريمة. ما يهم بلدان الاتحاد مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، والتي تمتد على طول خريطة المنطقة.
في السياق نفسه، يكشف قرار المحكمة الذي يجد سنده في القانون الدولي ثغرةً كبيرةً في أداء الدبلوماسية المغربية، بإهمالها الجوانب القانونية التي تحيط بالصراع، والتي تُستثمر، أحيانا كثيرة، ضد مصالح المغرب. وفي الوسع القول إن قرار المحكمة يبدو قابلا للطعن من الناحية القانونية، إذا ما استحضرنا سيطرة المغرب الفعلية على المياه الإقليمية التي تدخل ضمن نطاق سيادته السياسية والإدارية. وبالتالي، يُفترض أن تكون هذه الدبلوماسية على درايةٍ عميقة بذلك، بحيث تستطيع توظيفه في محطات حاسمة ودالة، حيث تشتبك ثوابتُ السياسة مع متغيرات الاقتصاد.
يمتلك المغرب هوامش لا يستهان بها للحركة والمناورة، لعل أبرزها توظيف الخسائر المحتملة التي قد يتعرّض لها أسطول الصيد الإسباني، في حالة عدم تجديد اتفاق الصيد البحري، منها فقدان آلاف مناصب الشغل التي يوفرها قطاع الصيد في إسبانيا، بما لذلك من تبعات اجتماعية وخيمة، لا يبدو الاقتصاد الإسباني مستعدا لتحملها الآن.
استمرار المحكمة الأوروبية في إنتاج اجتهادات قضائية تقف على النقيض من سياسة الاتحاد اتجاه المغرب، بات يشكل تحديا بالغا بالنسبة للطرفين، لا سيما أنها ليست المرة الأولى، حيث سبق للمحكمة نفسها أن أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، قرارا يقضي باستبعاد منطقة الصحراء من الاتفاق الفلاحي. والطرفان مدعوان، الآن، إلى البحث عن مخرج قانوني يحفظ للمغرب سيادته على صحرائه، من دون المساس بالاتفاقات المبرمة بينهما.
من جهة أخرى، بات المغرب مطالبا، أكثر من أي وقت مضى، بتنويع مصادر شراكاته في ضوء ما يشوب شراكته مع الاتحاد من اختلالات. وسيوفر هذا التنويع له مزيدا من الأوراق
التي قد يلعب بها في عالمٍ تحكمه تحولات المصالح والقوة والنفوذ. تنبني السياسات الاقتصادية الناجعة على رؤية متكاملة ومتسقة للاقتصاد المحلي، سواء بالنسبة لإمكاناته وقدراته، أو في علاقته بالاقتصاد العالمي، في تشعباته العابرة للقارات. لذلك، تنزع هذه السياسات، بطبيعتها، نحو تنويع شراكاتها، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بشكل متوازن.
لم تعد قضية الصحراء المغربية مجرّد نزاع إقليمي تحكمه إكراهات السياسة والأمن، بقدر ما أصبحت تصب، أيضا، في صلب الاستقطاب الاقتصادي الذي تعرفه منطقة غرب المتوسط والساحل الأفريقي بين قوى متعددة، لا يهمها إلا البحث عن مصالحها.
سياسةُ الاتحاد الأوروبي إزاء المغرب بحاجة لإعادة النظر في منطلقاتها ومجالاتها المتداخلة، فلا يمكن فصلها عن بعضها، وقد علمنا الأوروبيون، أحيانا كثيرة، أن القانون آخر ما يُمكن أن يُؤخذ بالاعتبار. ويبدو المغرب مدعوا إلى اجتراح صيغة جديدة للتعاطي مع هذه المنعرجات غير المتوقعة في السياسة الأوروبية، لا سيما حين تصب في ما له صلة بالقضية الوطنية، فلا يجب التقليل من أهمية قرار المحكمة الأوروبية. وبالتالي، يجب أن يكون التعاطي معه وفق لغة المصالح التي تحكم سياسة الاتحاد تجاه بلدان جنوب حوض المتوسط.