المؤسسة والمبدع... أي علاقة؟

المؤسسة والمبدع... أي علاقة؟

08 فبراير 2018

(منير الشعراني)

+ الخط -
هل يحتاج المبدع  أن ينتمي لجماعة معينة، بغض النظر عن نوعها أو هويتها أو قوة هيمنتها، لكي يستمر في إبداعه، كما تقول معظم الدعايات المصاحبة، لتكون تلك الجماعات بصيغ مختلفة أم لا؟ هل من الأفضل له أن يقدّم نفسه للجمهور المفترض، من خلال الجماعة، فيضمن ما يمكن وصفه الحد الأدنى من القبول الجماهيري، ما دام قد حقق شروط الانتماء لتلك الجماعة؟ أم أن فرديته هي الأفضل له، في سبيل توكيد هويته الخاصة منذ البداية، حتى وإن انتمى لاحقا إلى الجماعة؟
تتنوع الجمعيات والجماعات التي يمكن أن ينتمي إليها المبدع، كأن تكون نقابة أو رابطة شبه رسمية باشتراطات إبداعية عامة، أو تكون جماعةً ذات صيغة محدّدة بجيل معين، أو مدرسة إبداعية خاصة، أو توجه فكري محدّد... إلخ، لكن المهم أن الفكرة العامة لها هي أنها كيان عام يضم أعضاءه، ويتحدث باسمهم، ويوقع بياناته وخطاباته نيابة عنهم غالبا!
لأسباب كثيرة، لستُ عضواً في أي جمعية أو رابطة أو نقابة أو اتحاد أدبي أو ثقافي، وأهم هذه الأسباب تتعلق بفكرتي عن مؤسسات أهلية أو حكومية كثيرة ذات الصبغة الثقافية العامة، والتي تصادر غالبا الفكرة الخاصة للفرد المنتمي إليها، في سبيل فكرة الجماعة، أو تميّعها في سبيل تجميع الصف وتوحيد الكلمة، هذا إن أحسنّا الظن. أما إن لم نفعل، فسنجد أسبابا وسبلا كثيرة أخرى مؤذية للفرد المبدع، ولما يمكن أن يحلم بإنتاجه من إبداع.
هذا لا يعني أن كل الأدباء والمبدعين المنضوين تحت جناح مثل هذه المؤسسات ممن استسلم لأفكارها المؤذية، أو خضع لشروطها المعلنة وغير المعلنة، أو أنه تحصل على ما توفره عادة من مزايا معينة، مقابل ما تأخذه منه بطريقةٍ غير مباشرة، فهناك كثيرون ينتمون لمثل هذه المؤسسات انتماء شكلانيا، لا يكاد يتذكّرونه إلا عند تجديد عضوياتهم فيها مثلا! وهناك غيرهم ممن انتمى ليقاوم من الداخل، ويساهم في تغيير ما استقر في أذهاننا عن صورتها العامة. وهناك من وجد نفسه منتميا لها تلقائيا، لأسبابٍ لم يعد يتذكرّها، ولهذا استمر. لكن هؤلاء هم الاستثناء الذي لا يعوّل عليه كثيرا في تغيير فكرتي عنها، باعتبارها مما يضرّ المبدع، في حال انغماسه فيها أكثر بكثير مما يفيده.
وعموما، لا أظن أن شيئا يمكن أن يضر المبدع، في مستوى إنتاجه الإبداعي، أكثر من أن ينضوي تحت شعار الوحدة والتوحيد في الأفكار والرؤى تجاه قضايا كثيرة، وهذا بالضبط ما تفعله تلك المؤسسات. إنها تدرب العقل الفردي على التفكير الجمعي، وتعلمه على الكسل في إنتاج رؤاه الخاصة تجاه قضايا كثيرة، ما دام قد اطمأن إلى أن هناك من ينوب عنه في الأمر.
صحيح أن هذه المؤسسات الجمعية ليست ضارّة بالمطلق، لكنها أيضا ليست ضرورية دائما. نعم.. هناك فوائد كثيرة يمكن للحالة الثقافية العامة أن تتحصل عليها منها، لكنها تبقى مزايا للحالة نفسها، بالإضافة إلى مزايا أخرى، تفيد المبدع بصفته الشخصية، كأن تسهل له بعض سبل الحياة والعيش الكريم، ليتفرغ للإنتاج الإبداعي على سبيل المثال. أو توفر له سبلا للنشر والمشاركة في نشاطات ثقافية داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى حالات مثالية نادرة، تدافع فيها عن أعضائها، إن تعرّضوا لأي مضايقاتٍ من السلطة أو حتى المجتمع، لكن هذا كله يندرج في خدمة العضو المبدع، وليس في خدمة فكرة الإبداع نفسها. وعليه، يجب ألا تتورّط أي جماعة في أدوار أعلى من ذلك، وألا يتورط المبدع الحقيقي في الانغماس فيها، ما يسمح لها بأداء أدوار أعلى من ذلك أيضا.

دلالات

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.