عن الكتابة والحياة

عن الكتابة والحياة

04 فبراير 2018
+ الخط -
كانت حياته مجرد فصول يرويها، متى أتيحت له الفرصة، بين أحضان مكتبه يقبع، أمامه أوراق بيضاء. كانت هذه عادته. لن يخلد للنوم، إلا إذا تخلّص فكره من بعض الأسئلة والإشكالات التي تسجن خاطره، تحجب النوم عنه، تؤرقه. راحته النفسية رهينة تلك الكلمات التي يبعثرها على تلك الأوراق. ابتسامته تتمظهر متى انتهت اللحظات المسخّرة للقلم، إنها أقدس الأوقات بالنسبة إليه.
اعتاد الجلوس والبقاء مدة طويلة من دون أن يكترث للوقت، يفكر، يخاطب نفسه، مزيج من الاندفاع والتريث، من الرغبة والجمود، من الحزن والضحك، من الغضب والاستقرار. كانت هذه أفعاله متى أراد الكتابة. لعله لا يتذكرها، إنه لا يبالي بتلك التصرفات. لكنه يشعر بالتعب الشديد مع انتهاء تلك الكلمات، نظرا لما استوجبه فعل الكتابة من جهد نفسي، وعلى الرغم من ذلك، هاجسه الأوحد، وهدفه الرئيسي هو التدوين، فإحساسه لا يوصف عندما ينتهي من الكتابة.
ارتد عن الكتابة منذ أمد، فكر، جفّ حبره، انطفأ أمله، أخمدت شعلته، إنه يدرك مأساته، أسطر، كلمات، أوراق، دفاتر، كانت في السابق تتلاحق، لتروى عطش قلم، لا يتعب، تركها اليوم بين أحضان العدم، دفنها بين ظلمات الألم، مزقها ولم يعلم، أن حياته أضحت، فراغا وعدم.
الوقت يمر، يتخبط بين تلك الأفكار المتدافعة كجيوش تتدفق، كأمواج عتيدة. أحس بأنها بحر لا تنضب مياهه.
"كيف سأتصرف؟ هل أستطيع الخروج من هذا المأزق الذهني؟ الأمر يشتد صعوبة، لربما أحتاج إلى بعض من الراحة؟
ولكني لن أشعر بالنوم طالما أن أوراقي فارغة؟ لحظة، هل يمكن أن يكون التفكير فقط سببا كافيا لتحقيق السعادة أم أنّ فعل الكاتبة ضروري؟ لعل بهذه الطريقة يفقد التفكير جوهره، هدفه وتجسيده.
ارتأى أن يستنجد بكتاباته السابقة، أن يقرأ من جديد، لعلها تكون دافعا بأن يكتب شيئا، فتح بوابة أسراره، لم يقرأها منذ أن دوّنها وأدرجها ضمن قائمة كتاباته. أخذ في قراءتها، ورقة تلو الأخرى، ومع انتهاء كل ليلة وثقها بحبره الوجداني، يشعر بالغبطة وبرغبة جامحة للكتابة. إنه يقرأ بشغف تلك الكلمات التي خلصته من القلق والانزعاج، ليكون بذلك منصهرا في فصول حياته، فمن اختار القلم طريقا، كان له عقد الكتابة، عقد حياة.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)