نخبة وسمسم وتجّار

نخبة وسمسم وتجّار

01 مارس 2018
+ الخط -
(1)
وحدث أن الوزير عبيد الله بن سليمان (288 هجرية – 900 م) استتر ذات يوم عند تاجر، اسمه أبو عبد الله بن أبي عون، وكان هذا التاجر قد أكرمه طوال استتاره عنده، فلما تولى الوزير عبيد الله بن سليمان الوزارة، جاءه هذا التاجر في أثناء انعقاد مجلس الوزارة، فلما رآه الوزير، قام له مرحّبا به، وأجلسه بقربه، فعلم بذلك الخليفة، فاستدعى الوزير في الحال، وعاتبه على ذلك عتابا شديدا وقال له: "تبتذل مجلس الوزراء بالقيام لتاجر؟". وآه لو رأى الوزير عبيد الله بن سليمان، من وراء الغيب، النخبة المصرية، بضباعها وأسودها وقرودها ونعامها، وهي تقوم وتقف (وتبحص) إلى جوائز ولجان الملياردير ساويرس، لفقع من الضحك على نكد الخليفة الذي وبّخه من قرون، حينما أجلس بجواره التاجر أبو عبدالله بن أبي عون، ورحم الله الجميع.
(2)
(إنما أنا ابن ملك ألعب بهذه الألحان)
ها هو الأمير إبراهيم بن المهدي يقولها في وجه إسحق الموصلي، متباهيا بخروجه على أصول النغم، بحجة أنه ابن ملك، ولا يحكمه العوز في دقة اللحن وأصوله، وكأنه يغمز في حاجة إسحق. ولذا، فإحسان إسحق للنغم من قبيل الحاجة، وليس من قبيل الإجادة أو الأمانة العلمية، وكأن الأمير إبراهيم بن المهدي يريد أن يقول ذلك، وكأن الإجادة موضع عيب. فهل لعدم التكسُّب من الغناء ذريعة لتكسير أصولها، والمباهاة بذلك في المجالس، وخصوصا أن ما كان يأتي الأمير عن طريق هارون الرشيد يكفيه ويفيض، فما دخل كثرة الدراهم في إفساد اللحن. الآن، دراهم من غير لحن، ومن غير كلمات أيضا، وحفدة إسحق تحوّلوا إلى ضفادع في أروقة المجلس البلدي.
(3)
جارية هي التي علّمت حروف الهجاء لمحمد علي باشا، بعد الخامسة والأربعين من عمره، والغريب أنه، على الرغم من عجمته، كان يقول على الشعب: (إنه كالسمسم، كلما دهسته وعصرته أعطاك زيتا). تأملت بداية التتويج الزائف لعبد الفتاح السيسي، حينما قالت النخبة عنه إنه سيجدد لنا سيرة محمد علي باشا وإنجازاته. فقط ننتظر جاريةً، حتى رومية، تسهل له نطق حروف الهجاء، حتى تركب أساطيلنا البحر، وتأسر لنا قائد الأسطول الثامن، إن كان عندهم الثامن، كي يجالس صديقة قائد الأسطول السادس في دار الست أم لقمان. وسأترك أمر السمسم الآن للناس.
(4)
انتشر السخط بين الناس، وانطلقت الثورة في الصعيد في أوائل سنة 1824 إذ خطب أحد "أولياء دارو" في الجمهور في أثناء صلاة الجمعة، وألهب عصبية الملأ، وشاءت المصادفة أن تنضم إلى جموع الساخطين عدة فصائل من الجيش، كانت سائرة إلى "ستار" لتحل فيها محل ما بقي من الجنود غير النظاميين. وهكذا كان الجيش عونا قويا للثائرين. وسرعان ما أقبل على حزبهم مئات من الفلاحين، فبلغ عددهم عشرين ألف رجل، إلا أن الثائرين ساروا إلى غير هدف محدّد. فما أشبه الثورات ببعضها.