هذه الأيام وسحابة الكآبة

هذه الأيام وسحابة الكآبة

26 فبراير 2018
+ الخط -
حالة من الكآبة والانتظار هذه الأيام. الجو العام في مصر مشبع بالكآبة والقلق والترقب، قد يكون ذلك بسبب الجنون غير المسبوق والقواعد الجديدة المفاجئة، الأكثر تضييقا للمجال العام، فمنذ 3 يوليو 2013 والبراح في ضيق مستمر. العمل السياسي أصبح مجرّما، لا حرية للتعبير والانتقاد، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ولكن، ما هي المعركة؟ لم يعد هذا السؤال ذا أهمية.
ضاق البراح مجددا، وقواعد اللعبة تغيرت مجددا، الهوامش الطفيفة التي كان مسموحا بها من شهر لم يعد مسموحا بها الآن، فحتى الأحزاب التي تم حصارها في المقار، وأصبحت مجرّد لافتاتٍ لم تعد تعني أي شيء الآن. لم تعد ذريعة النظام أن السياسة مسموح بها في الأحزاب السياسية ذات أي معنى الآن، فأعضاء الأحزاب السياسية الشرعية المعترف بها ورؤساؤها يمكن حبسهم بالتهم نفسها التي يتم توجيهها للكيانات غير المقننة أو المحظورة، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو حركة 6 إبريل أو رابطة الألتراس. يسهل توجيه تهمة الإرهاب إلى الجميع، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ومصر تحارب الإرهاب، ولكن أي إرهاب؟
كنت، حتى شهر مضى، من المدافعين والمنظرين لفكرة استغلال مسرحية الانتخابات الرئاسية، من أجل إيجاد فرصة جديدة، ومن أجل إعادة تجميع تيار يناير، على الرغم من القواعد
والشروط المعيبة، ولكن حتى هذا الباب تم إغلاقه، فالمسرحية كانت على وشك التحول إلى معركة حقيقية بنزول الفريق سامي عنان، فتم حبسه، ومن قبله تم حبس مرشح عسكري آخر، وهو الضابط أحمد قنصوة، وتم تحديد إقامة الفريق أحمد شفيق بعد تهديده بقضايا قديمة. ولم يقتصر الأمر على مرشحي الرئاسة، بل تم حبس المستشار هشام جنينة، القاضي السابق وأحد نواب سامي عنان، ثم تم حبس الصحافي الذي أجرى حوارا صحافيا مع المستشار جنينة.. الإرهاب يزداد، أي إرهاب؟
وبدون سابق إنذار، تم القبض على الصديق محمد القصاص نائب رئيس حزب مصر القوية، وبعد ذلك بأيام تم القبض على عبد المنعم أبو الفتوح رئيس الحزب، واتهامه بالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن هناك نسبة ضخمة من أعضاء جماعة الإخوان وكوادرها يكيلون له اللوم والسباب ليلا ونهارا، لأنه انشق عنهم في البداية، ثم أصبح أكثر انفتاحا على التيارات الأخرى، ثم ترشّح في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح الجماعة، محمد مرسي، عام 2012، ثم شارك في 30 يونيو/ حزيران 2013 للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. وفي أثناء المعركة في وسائل الإعلام الموجهة إلى إثبات أن أبو الفتوح إخواني إرهابي، لا يزال ينتمي للإخوان المسلمين. وفي أثناء المعركة على الإنترنت، بين شباب حزبه وشباب المجموعات الثورية من جانب في مقابل أنصار جماعة الإخوان في الجانب الآخر، تم وضع الحزب تحت الحراسة، وإدراج اسم أبو الفتوح وآخرين في قوائم الإرهاب، في ظل ما يطلق عليها الحرب على الإرهاب، ثم تم القبض على مجموعة من الشباب، سواء شبابا مستقلا ولديه آراء معارضة للنظام أو شبابا ينتمي لحركات، مثل 6 إبريل وأخواتها، وإخفاؤهم أياما قبل أن يظهروا في نيابة أمن الدولة المصرية، بتهم مثل إعداد مواد إعلامية للإساءة للدولة والانضمام لجماعة محظورة لم يتم تسميتها، فتزداد سحابة الكآبة والترقب. ماذا سيحدث بعد ذلك، لقد تم إغلاق كل السبل، حتى الدردشة والفضفضة في مقار الأحزاب المعزولة المغلقة، أو حتى على المقاهي، لم يعد مسموحا به.
الحرب على الإرهاب ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، البيانات العسكرية تتوالى بأن هناك انتصارات متوالية ضد الإرهاب في سيناء، ثم تصريحات أخرى من وزارة الداخلية تبرّر أن القبض على أبو الفتوح، وهو رئيس حزب سياسي شرعي مقنن، ومعترف به، هو أيضا من ضمن الحرب الموازية على الإرهاب. ولكن إذا كنا نسلم بوجود إرهاب وجماعات مسلحة تقتل المصريين، أليس هناك اعتبار لتداعيات توسيع دوائر القمع والإغلاق للمجال العام؟ ألم يقرأ أحد عن التقارير الكثيرة وحكايات المفرج عنهم بأن السجون وتكدسها هي المفرّخ والمدعم الرئيسي للإرهاب؟ ألم يقرأ أحدهم عن مصطلح "إرهاب الدولة"، وكيف أن هذا النوع من الإرهاب لا يقل خطورة عن الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المسلحة والمارقة، وأنه يؤدي إلى النتيجة نفسها، ويسهم في تفكك الدول، وهروب العقول، وإهدار الموارد ونشر الخوف.
لا يبدو أن هناك عاقلا أو مجالا لمحاولات إصلاحية أو محاولات "للفرملة" من داخل النظام،
جنون القوة الغاشمة هو الذي يقود الجميع، التورّط في مزيد من القمع والظلم كل يوم يؤدي إلى صعوبة التراجع. بعضهم متفائل بأن هذا هو سيناريو سبتمبر/ أيلول 1981، عندما اعتقل الرئيس أنور السادات رموز كل التيارات السياسية وكوادرها، ووضع كل الخصوم في السجن، فتم اغتياله بعد ذلك بأيام. ولكن هناك آخرون، وكاتب هذه السطور منهم، أصبحوا يميلون إلى التشاؤم، فالتاريخ لا يكرر نفسه، وإن تكرر فليس من المفترض أن تتطابق الأحداث، فالظروف تغيرت كثيرا، الوضع الداخلي تغير بشدة، واختلف الوضع الإقليمي والدولي كليا عن فترة أوائل الثمانينيات. سيطول هذا الوضع الكئيب، والظروف الإقليمية تساعد في ذلك، حتى الآن، كما أن حدوث انفجار أو تغيير مفاجئ لا يعني أن الأمور ستتحول إلى الأفضل، ربما هناك ما هو أسوأ وأكثر رعبا من ذلك.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017