صفقة القرن تبدأ من القدس

صفقة القرن تبدأ من القدس

26 فبراير 2018
+ الخط -
في ترافق له مغزاه، كشفت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أن اقتراح خطة السلام التي يطلق عليها "صفقة القرن" أوشك على التبلور. وفي تصريحاتها في جامعة شيكاغو، قالت، بوضوح، إن المخاوف من ردود الفعل على قرار الرئيس دونالد ترامب، نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، لم تكن في محلها، وأن القرار مر بهدوء.
تؤكد تلك التصريحات، أن ثمّة ارتباطاً وثيقاً بين الموضوعين، ليس فقط فيما يتعلق بمضمون الصفقة وملامح الحل السياسي المطروح على الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث يمثل ملف القدس حجر زاوية في حزمة التفاهمات التي تتضمنها الصفقة. لكن أيضاً بين السلاسة التي تم بها تمرير قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، والسهولة المتوقعة في تمرير صفقة القرن المقترحة. وحسب المعلن من واشنطن، سيتم تنفيذ القرار في 14 مايو/ أيار المقبل، ليواكب الاحتفال بمرور سبعين عاماً على إنشاء "دولة" إسرائيل. ما يعني أن الإعلان الرسمي عن الصفقة، وربما البدء في تنفيذها، صار وشيكاً. فمن المنطقي أن تستغل واشنطن، وبقية عرّابي هذه الصفقة، الضجة التي ستحدث، والغبار الكثيف الذي ستثيره عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، للكشف عن الصفقة وتمريرها. لتكون المعركة واحدةً، ويتم التعامل مع ردود الفعل الغاضبة بالجملة، بدلاً من التجزئة وتكرار المناكفات والمساومات.
ومما يرجح المضي في فكرة الصفقة الشاملة ذلك التفاؤل الأميركي بتمريرها من دون مشكلات أو عقبات. في ضوء ما ترتب على قرار نقل السفارة من ردود فعل أو تبعات لا تُذكر ولا قيمة لها تقريباً. وكانت هيلي صريحة للغاية، عندما قالت حرفياً إن مسؤولين أميركيين كانوا يتخوفون من "أن تنطبق السماء على الأرض" بسبب إعلان قرار نقل السفارة. قبل أن تكمل مستدركة "لكن السماء ما زالت في مكانها". في إشارة لها مغزاها العميق لجهة التقديرات المستقبلية لتبعات أي قرار أو توجه أميركي بشأن القضية الفلسطينية، ومجمل الصراع العربي الإسرائيلي. فإذا كان لدى الولايات المتحدة في السابق قدر، ولو ضئيلا من الحذر، فهو لم يعد موجوداً. وستصبح إدارة ترامب، المندفعة أصلاً، أكثر جرأةً ولا مبالاةً في خطواتها المستقبلية تجاه العرب والإسرائيليين.
وما يجب أن يعترف العرب، كل العرب، به. أن هيلي محقة في استخفافها بأي ردود فعل، أو مواقف عربية تجاه تحركات واشنطن. بعد أن نزل قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، برداً وسلاماً ليس على الإسرائيليين وحدهم، بل العرب أيضاً. وكانت المواقف، سواء العملية أو الإعلامية، أخف كثيراً من المتوقع، وضعيفة إلى حد مخزٍ. فلا غرابة، إذن، أن تباشر واشنطن اتصالاتها وتحرّكاتها للتحضير للصفقة المزعومة. بل وتعمل على توفير الشروط اللازمة لنجاح الصفقة، بالتنسيق مع حلفائها العرب قبل الإسرائيليين. بما في ذلك الضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة لتطويع مواقفها. وتضييق الخناق على الرئيس محمود عباس، وتخييره بين الانصياع للصفقة المطروحة، أو التعرض لمصير ياسر عرفات. وتحييد الأطراف الأخرى التي قد تشوش على الصفقة ولو من بعيد، سواء التي ترفع شعار مواجهة إسرائيل أو التي لها علاقات جيدة معها. ولكل منها حساباتها، ولكل موقف ثمن يُدفع أو يُقبض.
أما عن وكلاء واشنطن وتل أبيب في المنطقة، فمن تخلى عن القدس لن يجد غضاضة في إهدار بقية حقوق الفلسطينيين، سواء بحرمان اللاجئين في الشتات من حق العودة، أو بطرد المقيمين في فلسطين منها، أو بتفريغ فكرة الدولة من مضمونها وتصفية القضية برمتها. فالمعادلة بسيطة وواضحة، من يتنازل عن الأرض لن يأبه لمصير أصحابها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.