أميركا.. كشف الأقنعة

أميركا.. كشف الأقنعة

26 فبراير 2018
+ الخط -
كانت ليلة السابع من فبراير/ شباط 2018 الحد الفاصل بين مرحلتين مفصليتين من مراحل التدخل الأميركي المعقد في سورية، في غضون الحرب الضروس التي تدور فيها. كانت المرحلة السابقة مرحلة الوجود المغطى المتلون والزئبقي في آن معاً! الوجود الذي لا تستطيع الإمساك به، ولا تأكيده ولا إثباته، الوجود الغامض المعقد المغطى بأسباب ومبررات عديدة، والذي يلتف على كل المعطيات المعقدة المتشابكة التي تشكل مفردات الحرب السورية. ذاك الوجود الذي بدأ بشكل ضعيف وتدريجي، منذ إعلان التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في أوائل العام 2015، والذي تزايد تدريجياً بدعم المليشيات الكردية، وإنشاء بعض القواعد والمطارات في شمال شرق سورية، إلى أن آل إلى سيطرة كاملة على الجزيرة السورية وشرق سورية، بكل ما تحويه تلك المناطق من ثروات طبيعية هائلة.
أما المرحلة اللاحقة، والتي كشفت عن الوجه الحقيقي للوجود الأميركي في سورية، وأهدافه الحقيقية، فقد بدأت بأوضح صورها وأشدها صدمة في ليلة السابع من فبراير/ شباط الجاري.
تباينت الروايات حول حقيقة ما جرى في تلك الليلة، فالروس بأسلوبهم الملتف والمتفنن في إخفاء الحقائق وتمييعها، قالوا إن طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، قصف وحداتٍ لجيش الحكومة السورية الذي كان في مهمة لتتبع بعض الخلايا الإرهابية بالقرب من حقل كونيكو للغاز الطبيعي، قرب مدينة دير الزور، والذي تسيطر عليه ما قوات سورية الديمقراطية، ما أسفر عن جرح 23 عنصراً من دون خسائر أخرى، من ودون أي ضحايا من القوات الروسية المرافقة دائماً لجيش النظام السوري.
وطبعاً أسهب التقرير الذي صرحت به وزارة الدفاع الروسية في الأسطوانة المشروخة نفسها التي تتحدث دائماً عن الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية، وأن تلك القوات لا تقاتل فعلياً ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإنما تعمل فقط على ترسيخ وجودها في سورية، للسيطرة على ثرواتها الاقتصادية بحد زعمهم.
أما الرواية الأميركية فكانت أكثر مباشرة ووضوحاً، فقد أكدت قيادة قوات التحالف أن القوات الموالية لنظام الأسد شنت هجوما غير مبرر على قوات سوريا الديمقراطية، المتمركزة في المنطقة المذكورة، وأن الأخيرة هي قوات حليفة للقوات الأميركية، وأن تلك القوات قد ردّت على هذا الاعتداء، بمساعدة مروحيات تابعة لقوات التحالف، علما أن مصادر محلية وميدانية أفادت بأن هناك ما يقارب 100 قتيل سقطوا في هذا الهجوم، وأن بينهم جنوداً روس أيضاً، وهذا ما أنكرته روسيا بشدة كعادتها، فما حقيقة هذا الهجوم؟ وما هي الدوافع الحقيقية وراءه؟
من الطبيعي جداً في إطار المعمعة السورية أن تحاول قوات النظام ومليشياتها أن تتقدم في كل مكان من بؤر الصراع على امتداد الأرض السورية، سواء ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو قوات المعارضة، أو ما تسمّى قوات سورية الديمقراطية، على اعتبار أنهم قوات نظامية حكومية بحد زعمهم، وعلى أساس تأييد دول كثيرة شرعية وجودهم وحكمهم، سواء أكان هذا الحكم شرعياً أم لا، وسواء أكان تقدم قوات النظام نحو مناطق سيطرة القوات الأميركية وحلفائها في ليلة السابع من فبراير/شباط الجاري عملاً مدروساً منسقاً أم لم يكن، فقد قرّر نظام الأسد التقدم نحو تلك المناطق، علماً أن هذا لم يكن أول صدام بينه وبين المليشيات الكردية، إنما كان هذا أول تقدم له على حساب القوات المدعومة أميركياً نحو موقع استراتيجي مهم، مثل حقل كونيكو هذا.
بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على شرقي سورية، أتت تلك الضربة الأميركية العنيفة ضد قوات النظام وحلفائها، لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أميركا لا تريد من سورية إلا ثروتها الضخمة البكر من النفط والغاز! وأن كل من سيحاول منازعتها على هذه الثروات سوف يتم الرد عليه بقسوة.
يأتي هذا التحول المفاجئ في الموقف الأميركي في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على ما يبدو بوضوح أنه مشروع تقسيم سورية، مشروع يجري حالياً على قدم وساق بين كل الأطراف الدولية التي تتحمل المسؤولية الأولى في كل مآلات المأساوية السورية التي كان الشعب السوري هو الخاسر الوحيد فيها.
6A92CBCA-BC21-4290-B4B4-B3A392712938
6A92CBCA-BC21-4290-B4B4-B3A392712938
محمد الأطرش (سورية)
محمد الأطرش (سورية)