لا شتّامون ولا بيت فستق

لا شتّامون ولا بيت فستق

24 فبراير 2018

(حسن مير)

+ الخط -
لعل الخلاف الذي أثير قبل أيام حول إحدى الروايات السورية الجديدة، وكشف أن كاتبها ضمّن روايته شهادة كاملة لمعتقل سوري عن مدة اعتقاله في سجون الأسد، بما يبدو وكأن هذه الشهادة جزء من الرواية ومن خيال الكاتب نفسه، فهو، حسب ما قيل، لم يُشر إلى المصدر، ولم يستأذن قبلا صاحب الشهادة، لاستخدامها في الرواية. ما فعله أنه غيّر في اسم الشخصية وبعض الأسماء الأخرى، حسب المقارنة بين الشهادة والفصل الروائي المشار إليه.
لعل هذا الخلاف، الذي لا يقلل من أهمية الروائي ولا من قيمة العمل، يكون فاتحةً مهمةً لنقاشات عميقة وبعيدة عن الشخصنة والشللية والاتهامات الخارجة عن السياق الثقافي والإنساني، بشأن حقوق الملكية الفكرية، والأمانة الأخلاقية والمهنية في التعامل مع شهاداتٍ من لحم ودم، فالأمر ليس طفرةً، إذ إن المتابع لما صدر، خلال السنوات القليلة الماضية، من أعمال روائية وأدبية توثيقية، يلاحظ أولا أن معظم هذه الأعمال هي عن الثورة والحرب والوضع السوري خلال هذه الفترة. ويلاحظ، ثانيا، أن معظم الكتاب إما أنهم يعيشون خارج سورية منذ زمن ما قبل الثورة، أو أنهم خرجوا من سورية في السنة الأولى وأوائل الثانية للثورة. وبالتالي، لم يصبهم بشكل شخصي ما أصيب به آخرون، ومتابعاتهم لما يحدث ليست شخصية بأم العين، هي متابعات عبر وسائط الإعلام بكل أشكاله، بما فيها صفحات "فيسبوك" الذي تحول في فترة إلى منبر مهم للسوريين الخارجين من قلب الموت والمعتقلات، ليدونوا شهاداتٍ وتفاصيل عما قاسوه، إذ لا صوت مسموعاً لهم، ولا منابر ستفتح لهم، ليقولوا ما يريدون قوله عبر هذا الفضاء الأزرق، خصوصا حين يصبحون في مكان بعيد عن جحيم المعتقل السوري الكبير. ومن الطبيعي أن شهادة كهذه ستكون واسعة الانتشار والقراءة، ولا سيما من الكتاب المعنيين بشأن التوثيق الأدبي. لذلك، لا يمكن لأحد، أيا كان، أن ينكر أن هذه الشهادات أصبحت جزءا من الأعمال الأدبية السورية، سواء تم التغيير فيها، واستخدام تفاصيل معينة منها، أو تم استخدامها كما هي في العمل الأدبي.
لا يقتصر الأمر على الشهادات المدونة على صفحات "فيسبوك". هناك أيضا القصص التي يرويها معتقلون ومعتقلات كثيرون في سورية، سردوا لأصدقاء ما حصل معهم في فترات اعتقالهم، ليفاجأوا، بعد فترة، بأن قصصهم الشخصية أصبحت فصولا في رواياتٍ، أو يوميات عن الحرب، من دون أن تكون لديهم أدنى فكرة أنه سيتم استخدامها (!). قالت لي صديقة فوجئت بقصة اعتقالها موجودة بالكامل في رواية سورية إنها كانت تنوي أن تكتب قصتها في عمل أدبي تشتغل عليه. ثم ألغت الفكرة تماما الآن. وليست هذه حادثة فردية. هناك عشرات تعرّضوا لمواقف مشابهة، منهم من تعرّض للأذى نتيجة نشر قصته من دون استئذانه، ومنهم من كان ينوي كتابة قصته بنفسه عملا أدبيا أول، ومنهم من كان لا يريد على الإطلاق أن يقرأ قصته مكتوبة في أي مكان.
للأسف، فات غالبية الكتاب السوريين الذين استخدموا قصص معاناة إخوتهم في الوطن أن لهؤلاء الإخوة مشاعر لم يقتلها الجلاد، ولهم حق الموافقة على تحويل قصصهم الفردية إلى قصص عامة، حتى لو تم تغيير أسمائهم، فالأمر ليس فقط بما سيقرأه الآخرون، بل بهم هم أنفسهم، بإحساسهم وهم يرون عذاباتهم مادةً مستخدمةً لاستجرار التعاطف مع قضيةٍ ربما أصبحت مصدرا مضافا لعذاباتهم. هذا مع فرضية حسن النية عند الكتاب، واستبعاد نظرية الشهرة والجوائز وغيرها، وهي بحد ذاتها ليست مثلبا، هي حق للكاتب أيضا، شريطة أن لا يستثمر معاناة من دفعوا أثمانا باهظة، من دون الاكتراث بقبولهم هذا الاستثمار أو رفضهم له.
من المهم أن لا تتم شخصنة موضوعٍ كهذا، أو أن يصبح طرحه مناسبةً لتبادل الشتائم، كما يحدث دائما على صفحات "فيسبوك" لدى طرح أي موضوع للنقاش. إذ يبدو أننا، نحن السوريين، لم نصبح بعد جاهزين لطرح أي فكرة، من دون خوف التعرّض للشتائم والاتهامات، فقضية الرواية آنفة الذكر وغيرها هي شأن في الفعل الثقافي. ويفترض النقاش حولها أن يكون ثقافيا، ويأتي تعميمها فقط من راهنية الحالة السورية التي لا شبيه لها.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.