نحن والعنصرية

نحن والعنصرية

23 فبراير 2018
+ الخط -
كنت أشاهد إحدى مسابقات ألعاب القوى، وتحديدًا سباق العَدْوِ، إذ كانت إحدى المتسابقات العربيات متأخرة في العدو بشكل ملحوظ جدًّا، أتذكرها جيدًا بملابسها المميزة وسروالها الطويل وحجابها الأنيق، وفجأة سلطت الكاميرا عدستها على المشجعين الذين قاموا من مقاعدهم، ووقفوا يؤازرون العداءة العربية بالتصفيق، وهي تحييهم على تشجيعهم لها، على الرغم من تذيّلها السباق بفارق يفوق 500 متر على الأقل عن أقرب منافسة لها.
انتهى الموقف عند هذا المشهد، لكنه لم ينتهِ بالنسبة لي، جلست أتأمل وأفكر، هل من السهل علينا نحن فعل ذلك مع متسابق غربي منافس يلعب على أرضنا؟ أم أننا سنشمتُ فيه، ونُرجع تأخره في السباق بكل عنصرية إلى دينه أو جنسه، أو البلد الذي ينتمي إليه، وغير ذلك من العديد من التصنيفات التي نجيدها ببراعة؟
العنصرية بحسب أغلب التعريفات العالمية، هي "شعور يبديه الفرد تجاه شخص أو فئة معينة من الناس على أساس انتمائهم العرقي أو الديني أو الإثني، وكثيراً ما يكون هذا الشعور مصحوبا بكره أو عداء". ويمكن أن يمتد ذلك الشعور إلى أبعد من ذلك، فيصل إلى تعامل أو تصرفات عنصرية، كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: هل بداخلك شيء من العنصرية؟
نُشرت حديثاً دراسة في مجلة العلوم (Science) تقول: "أن كثيرين ممن يعتبرون أنفسهم غير عنصريين ومتسامحين تجاه الأعراق الأخرى يكنّون في الواقع تحيزات عنصرية لا واعية، تظهر دلائلها في عدم انزعاجهم من السلوكيات العنصرية للآخرين، وعدم استعدادهم لزجرها. والحقيقة أن هناك كثيرين يخجلون من مصارحة أنفسهم بأن لديهم، ولو شيء من العنصرية، يزيد هذا الشيء أو يقل بحسب الوعي الذي تشكل منذ الصغر في سنوات عديدة، ولا يتم استئصاله بسهولة، لذا يحتاج لمعالجة واعية من الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر السنين. ففي جذور أي تعصب أو انحياز عنصري تقبع فكرة خاطئة، لم يتم مراجعتها، فتطورت وتأكدت حتى صارت حقيقة مطلقة".
ومن هنا، وجب مراجعة أفكارنا من حين إلى آخر، لنتأكد من منسوب العنصرية بذواتنا. لذا حاول الإجابة عن أسئلة من نوع: إذا ظهر مرشح لمجلس النواب فى دائرتك الإنتخابية، على غير دينك، لكنه يتمتع بصفات تؤهله تماماً للمنصب، فهل أنت، كمسلم أو مسيحي ستفكر فى دين المرشح أولاً، أم أن دين المرشح لا يعينيك؟
التعامل على أساس الإنسانية بمعناها الشامل، هي الأصل الحاكم في علاقاتنا مع البشر، فنحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بمدى التعاون والتضامن فيما بيننا. والاعتراف بهذه الحقيقة هو الترياق الأمثل لمرض العنصرية. والفهم الصحيح لهذه الحقيقة من شأنه أن ينقل الإنسانية إلى درجات أعلى وأرقى، تتجرد فيها الانحيازات من كل الشوائب العنصرية لتترك المجال للمسؤولية الفردية، بحيث يصبح كل مواطن مسؤول فقط عن تصرفاته التي فعلها بإرادته الحرة، وعليه تحمل تبعاتها ومسؤولياتها.
مبدأ المسؤولية الجماعية، والذي يعاقب الكل على خطأ الجزء هو سبب أصيل يغذي أواصر العنصرية التي تقف حائلاً مانعاً أمام أي تحضر في أي مجتمع، فلكل مواطن حقوق وعليه واجبات لا تتغير طبقا لدينه أو مهنته أو جنسه، ولا نعاقبه إلا على أخطائه البشرية فى سياقها المحدود من دون تمييع أو تعميم .
مبدأ التعايش الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح، وهو ليس مجرد شعار أو دعوة رومانسية مثالية، وإنما يعكس حقيقة أبدية، روحية أخلاقية ومادية، تبلورت خلال قرون من بلوغ العالم مرحلة النضج، بعدما أنهكته الحروب والصراعات.
avata
avata
مصطفى عاطف (مصر)
مصطفى عاطف (مصر)