من يحارب الإرهاب لا يخاف الملاعب

من يحارب الإرهاب لا يخاف الملاعب

22 فبراير 2018

مشجعون للنادي الأهلي في استاد بالقاهرة (31/10/2018/فرانس برس)

+ الخط -
هَبْ أن السيدة المطربة الراحلة، منيرة المهدية، حينما شعرت بحسّ (كيد النسا) أن نجم الآنسة أم كلثوم قد سطع في سماء حديقة الأزبكية، فقامت واشترت 500 تذكرة لحفلتها من حرّ مالها، ووزعتها على عشرين وجيها من العاطلين من العمل وصحافة بير السلم، علاوة على سهرتين في بيتها، فهل تستطيع الست منيرة أن تفعل ذلك في كل حفلةٍ، وخصوصا بعدما شاخ صوتها وأدمنت البكاء، وهب أن ألفي طائرة وزنانة حلقت في سماء العريش، والظهير الصحراوي الغربي والشرقي، وأحراش الدلتا من ناحية الإسماعيلية والشرقية والبحيرة، فهل تغفر تلك المباهاة المهولة بالقوة واستعراضها أن ملاعب كرة القدم التي لا يرتادها الإخوان المسلمون ولا السلفية الجهادية ما زالت مغلقةً بالضبة والمفتاح سوى لعمّال رش النجيل وطيور أبي قردان وبعض الحمام. هل باتت السلطة تخاف من الناس التي لا تحمل أسلحة معها لهذا الحد؟
لماذا يغلق عبد الفتاح السيسي ملاعبه في وجه الجماهير، بعد أربع سنوات من ثورةٍ قام بها، وخرج معه 33 مليونا من الشعب، يسدّون عين الشمس قبل دقائق من غروبها؟ ألا تستطيع هذه الملايين الـ 33 أن تحمي مقدرات ثورتها من مليون مشجع كرة قدم، لا يمتلكون سوى الطبول والمزامير وأعلام نواديهم؟
واضح جدا في موضوع الآنسة أم كلثوم أن الأمر بات في غير استطاعة أحبال صوت الست منيرة المهدية، بعدما أدمنت البكاء، وأرسلت صبيانها كي يتسمّعوا لأخبار تلك الفلاحة الصغيرة التي جاءت إلى مصر، كي تزيحها عن عرش الطرب في بيوت الوزراء والأمراء. وفي كل مرة، كان الصبية يعودون إليها بأخبارٍ تقطع عليها أبواب الأمل، فتعاود البكاء، علّ البكاء يرد لها الكرسي، أو يعيد إليها عرش الطرب. فهل الكرسي هو سبب البكاء، وهل الملك يدوم لمن يشتهيه بغلق الملاعب؟
خرج 33 مليونا، وقد تركوا متاجرهم وصاغاتهم وبورصاتهم ومكنهم ومصانعهم وورشهم ومرضاهم وأطفالهم وبناتهم وعجائزهم، كي يعطوا الكرسي لجنرالٍ كان زاهدا جدا فيه، وأقسم بالله أنهم لا يسعون إلى ذلك أبدا أبدا. فما الذي تغير في الكرسي؟ ولماذا أدمنت الست منيرة البكاء على عرش طربها، بعدما تسلطنت عليه فلاحة قدِمت من قريتها بعقالها وملابسها البسيطة، وليس فيها ما يثير الأمراء أو الملوك. هل العيب في الشخص؟ أم العيب في خشب الكرسي؟
33 مليونا يجلسون ساعتين على الكراسي يدّقون على الطبول، ويهللون للهدف واللعبة الحلوة والترقيصة والكوبري، فما الضير أن يدخلوا الملاعب مع اليمام وأبي قردان؟ خصوصا أن الرئيس الذي لا يحب الكرسي أبدا، ويتعفّف عليه صبح مساء، بنى أكثر من عشرين سجنا واشترى أسلحة تكفي لمحاربة قارة، مع أننا (فقرا أوي)، ومع أننا لا نحارب من أربعين سنة وأكثر. فهل الأسلحة للحرب على الناس التي لا ترى الملاعب إلا في الحلم أو التلفزيون، ولا يتمتع برؤيتها سوى أبي قردان واليمام، أم أن الأسلحة لردع القيادات الباقية في الأسطول السادس لو سوّلت لهم أنفسهم خطف قائد الأسطول من الأسر؟
هل كانت السيدة منيرة المهدية مُحقّةً في كل بكائها على عرشها المفقود في عالم الطرب، وهل مازال جمهورها، في قبورهم، يحِنّون لغنائها؟ أم تبخّرت القبور وتاهت كما تاه الـ33 مليونا؟ وكانوا قد خرجوا في وقت المغارب. ومن ساعتها، والملاعب خالية من الطبول والجماهير والمزامير، وكثُر فيها اليمام والقردان. وإن وُجدت بعض الجماهير لضرورة، فالمذابح مُعدّة وجاهزة، لا لحماية الملعب أو الحكم أو اللاعبين، بل لحماية الكرسي، كي لا يقربه أحد، أي أحد، سواه. إذن، كانت السيدة منيرة المهدية محقة في كل هذا البكاء على ضياع عرش الطرب.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري