"20 فبراير" والعمل السياسي في المغرب

"20 فبراير" والعمل السياسي في المغرب

22 فبراير 2018
+ الخط -
يجري في الأغلب الأعم تداوُل مجموعة من الأحكام السريعة والعامة، عن حركة 20 فبراير، العنوان الأبرز للاحتجاج السياسي المغربي، في سياق الثورات العربية سنة 2011، حيث اعْتُبِرَت الحركة بمثابة قاطرة قائدة للحركة التي جعلت المغرب يواجه ظواهر الاستبداد والفساد، كما يواجه التعثُّر الذي أصبح صفةً ملازِمةً لعمليات انتقاله الديمقراطي.
يشير بعض هذه الأحكام التي تحاول التفكير في الحركة وأدوارها في تعزيز المسار الديمقراطي المغربي إلى أن الحركة أثمرت فعلين سياسيين مهمين، دستور 2011، الذي جاء استجابة لنوعية تفاعُل النظام المغربي مع الشعارات التي رفعتها الحركة. ويتعلق الثاني بتصدُّر الإسلام السياسي نتائج الانتخابات. وعلى الرغم من أنه لا علاقة لهذا الأمر بالحركة، فإن حصول ما يشير إليه بعد بروزها سمح بالربط السببيِّ الشائع. وفي مقابل ذلك، هناك من يعتبر أن الحركة تُعَدُّ مجرد سحابة صيف عابرة. وفي مختلف هذه الأحكام، يَسْتَسْهِل المُحَلِّلُون البِنية العميقة للحركة، المتمثِّلة في سياقها، والبارزة في فعلها الاحتجاجي، وآثارها التي ظلت بمثابة أفق بارز، في مشهد سياسي تعتريه تناقضاتٌ لا حصر لها.
نفترض، ونحن نفكر في أفعال حركة 20 فبراير ومواقفها، بعد مرور سبع سنوات على إطلاق شرارتها، أن التداعيات التي حصلت في المشهد السياسي في المغرب سنة 2011 ومصيرالحركة اليوم، لا يمكن تعقُّلهما من دون ربط متوالية الأحداث الحاصلة وقتها من جهة، بسياق الحركات الاحتجاجية في مغرب الاستقلال، ومن دون إبراز نمط علاقتها بالاحتجاجات الناشئة في زمنها في تونس ومصر، ثم في الأردن واليمن وسورية وليبيا.
تستمد الحركة قوتها الاحتجاجية من السياق السياسي المؤطِّر للفعل الاحتجاجي في كل من 
تونس ومصر، كما تستمد مجموعةً من سِمَاتِها من المحيط التاريخي الذي تبلورت في إطاره، ونقصد بذلك المشهد الحزبي المغربي، وجوانب من معطيات الوضع السياسي في العهد الجديد، فقد ساهم السياق والمحيط المؤطران لبروزها وتطورها، في منحها الشعارات التي تَغَنَّت بها، والأبواب والنوافذ التي فتحت لحظة إطلاق فعلها الاحتجاجي وتوسيعه داخل المجتمع المغربي.
لا خلاف بين الذين اهتموا بِمُعَايَنة ميلاد هذه الحركة، في أن نواتها الأولى، المكوَّنة من مجموعة من الشباب المنخرطين في تنظيمات شبابية تابعة لبعض الأحزاب المغربية، أو المرتبطين ببعض التنظيمات المدنية، وقد انخرطوا جميعاً في بداية سنة 2011، في التداوُل السياسي في موضوعٍ يتعلق بالديمقراطية والملكية البرلمانية، وسَمَّوْا أنفسهم "حرية وديمقراطية الآن"، مع ملاحظةٍ تتمثَّل في أن أغلب هؤلاء الشباب كانوا، في البداية، ينتمون إلى قطاع الشباب في تيارات اليسار المغربي، وحملوا شعار الشعب يريد مغرباً جديداً، باعتباره الأفق الناظم لحركتهم، الأمر الذي يجعلنا لا نتردّد في القول إن اليسار المغربي المُمَزَّق كان وسيظل، على الرغم من استفحال عِلَلِه، وراء أغلب المعارك السياسية، الساعية إلى توطين المشروع الديمقراطي في مجتمعنا.
لندقِّق أكثر في طبيعة النواة الأولى للحركة عند انطلاقها، وقد جمعت عناصر متعدِّدة، أبرزها شباب اليسار الجديد، وهو يسار راديكالي يوجِّه سِهَام شعاراته السياسية، منتقداً التجليات الليبرالية الجديدة، وملوّحا بشعارات الحرية والكرامة والشغل، ومناهضة الفساد وجيوبه المستشرية في مجتمعنا واقتصادنا، ثم مجموعات من الإسلام السياسي الذي ينزع منزعاً صوفياً أخلاقياً، ويَتَمَوْقَع سياسياً في إطار جذري. وقد ساهم الجمع الحاصل بين التيارين، في بداية بروز الحركة، في تحريك المشهد السياسي الحزبي، حيث التحقت كوادر حزبية عديدة بالحركة وأفقها السياسي.
ساهمت وسائل التواصل الجديدة، وتقنياتها المتطوِّرة، في منح الأفعال الاحتجاجية لحركة 20 فبراير دينامية جديدة، كما ولَّدت في قلبها ومنذ البداية، عناصر تتجه إلى الانتصار للدولة، 
وتدعو إلى وقف الفعل الاحتجاجي، فتحوَّل فضاء الوسائط الاجتماعية إلى ساحة متناقضة، الأمر الذي ترتَّب عنه نشوء حركة داخل الحركة، تُعْلِن رفضها الشعارات الأولى للحركة، وتطالب بما سمّتْه الدفاع عن الدستور الجديد ومكاسبه وخياراته.
مرور سبع سنوات على إطلاق الحركة، وانسحاب مجموعة الإسلام السياسي منها وتناقُض مواقفها، لا ينبغي أن يدفعانا إلى النظر إليها وإلى تداعياتها، ومختلف ما عرفه المغرب منذ 2011، بصورة عامة وسريعة، ذلك أن تفاعلات كثيرة حاصلة اليوم في مشهدنا السياسي يمكن إيجاد صلات من الوَصْل بينها وبين الأفق الذي رسمته الحركة بأفعالها وتناقضاتها، وبالنتائج المتعدِّدة التي ترتَّبت عن فعلها الاحتجاجي في محيطنا السياسي، فهي ليست سحابة صيفٍ عابرة، وليست مجرد فعل احتجاجي، تَرَتَّب عنه وصول الإسلاميين إلى الحكم في بلادنا. وهي على الرغم من خفوت صوتها، تدعو مختلف الفاعلين السياسيين إلى التفكير في حاضر العمل السياسي ومستقبله في بلادنا، وقد أصبحت تتهدَّده أخيرا ظواهر تدعو إلى اليقظة، كما تدعو إلى التفكير في مآل العمل الحزبي، وقد أصبحنا نواجه اليوم في مشهدنا السياسي ظواهر لا علاقة لها بمجتمع المؤسسات ونظام المؤسسات ودولة القانون التي يتطلع الجميع إلى بلوغها.
C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".