اليهودية والحركة الصهيونية في وثيقة الحركة الشعبية

اليهودية والحركة الصهيونية في وثيقة الحركة الشعبية

03 فبراير 2018
+ الخط -
تمثل الوثيقة التأسيسية للحركة الشعبية لأجل فلسطين دولةً علمانيةً ديمقراطيةً واحدة محاولة جادة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، على ضوء ما تتعرّض له من محاولات تدمير وتحريف عديدة، تعبر وبكل وضوح عن فشل (وخطأ) خيار السلام أو الاستسلام المعروف بخيار الدولتين، وتعيد الانتصار لخيار الدولة الواحدة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ 1948، وتستمد شرعية الحل المقترح من الحق التاريخي والإنساني الفلسطيني، وتتسلح بتضافر الجهود والنضال الفلسطيني مع جميع أحرار العالم، لاسيما العرب منهم، بمن فيهم اليهود المتحررون من القيود والأوهام الصهيونية، لصالح حل عادل وحضاري، يكفل استعادة الفلسطينيين لجميع حقوقهم المستلبة من دون أي نقص، ويكفل لهم كذلك حقهم في التعويض عن جميع المآسي والآلام التي لحقت بهم على امتداد سنوات الصراع الطويل، كما يؤمن العدالة والحرية السياسية والدينية لجميع مكونات الدولة المنشودة، من دون أي تمييز عرقي أو ديني أو سياسي.
ولا تغفل الوثيقة حتمية (وأولوية) القضاء على الفكر والمؤسسات الصهيونية في فلسطين، وفي المنطقة العربية قاطبة، باعتبارها حاضنة القضية الفلسطينية الطبيعية والمنطقية، أي تمثل بعدها العربي، وتم ذلك من خلال إعادة تعريف دور الكيان الصهيوني الوظيفي تجاه المنطقة
 وشعوبها، والذي عرفته الوثيقة قاعدة عسكرية للمشروع الإمبريالي، هدفه السيطرة على البلاد العربية، والحفاظ على تفكك هذه البلاد وتخلفها، من أجل نهبها. بالإضافة إلى التأكيد على اعتبار فلسطين وشعبها جزءا أصيلا من الشعب العربي، ومن المنطقة العربية، وهو ما يقود، وبكل وضوح، إلى رفض أي محاولة لعزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي من ناحية، بالإضافة إلى رفض حصر طبيعة الدور والإجرام الصهيوني داخل فلسطين وتجاه شعبها فقط.
وعملت الوثيقة على إزالة أي لبس حضاري أو فكري قد يشكل عائقا أمام توحيد جهود أحرار العالم وأحرار فلسطين ونضالهم، بما فيها حالة اللغط والتشويش والتداخل المرافقة لتحديد الموقف من الحركة الصهيونية ومن أتباع الديانة اليهودية، من دون أن تنجر بذلك إلى الوحل الطائفي والإثني الذي تحاول الحركة الصهيونية ودول العالم الإمبريالية جرّنا إليه، عبر خلط موقف رفض الحركة الصهيونية، ومواجهتها ومجابهتها، بالموقف من أتباع الديانة اليهودية، وكأنهما تعبيران أو دلالتان للفئات والمجموعات البشرية نفسها، من دون أي فوارق أو تباينات بينهما. حيث تعزو الوثيقة بناء الدولة الفلسطينية العلمانية الديمقراطية الواحدة إلى حصيلة النضال الوطني والطبقي متعدد الأشكال، والمستند، في إحدى صوره، إلى النضال المشترك بين أهل فلسطين وأولئك اليهود المتخلصين من أعباء الإيديولوجية الصهيونية، معبرةً بذلك عن نيتها للتعاون والتآزر مع جميع الأحرار، بما فيهم أتباع الديانة اليهودية الراغبين والمدركين لأهمية النضال المشترك، ولأهمية تفكيك الصهيونية وتفكيك مؤسساتها التي نحتاج، كما يحتاج أتباع الديانة اليهودية، لا سيما القابعين اليوم على أرض فلسطين، وبغض النظر عن جنسياتهم الحقيقية للقضاء عليها أولا، قبل العمل على بناء دولة فلسطين العلمانية والديمقراطية الواحدة على كامل التراب الوطني، وهو ما يعبر، وبكل وضوح، عن حدود الخط الفاصل بين اليهودية والحركة الصهيونية، لتمد الوثيقة يدها إلى الأولى في الوقت الذي تقطع به أي صلة لها مع الثانية، رافضةً أن تتعامل الدولة المنشودة بعدائية تجاه جميع أتباع الديانة اليهودية، كما ترفض تحميل يهود العالم أجمع وزر أخطاء الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية وإجرامهما، وأخطاء جزء كبير من آبائهم وأجدادهم، من دون أي اعتبار لأماكن وجودهم ولأعمارهم، وبالتالي لحجم مشاركتهم في الجريمة المرتكبة بحق الفلسطينيين، ولمواقفهم السياسية والأخلاقية، بل تحصر الوثيقة عداءها وتصدّيها لقوى الحركة الصهيونية وجنودها الذين ضربوا عرض الحائط جميع حقوقنا المغتصبة، وجميع المحاولات الرامية إلى منحهم خيارا مستقبليا إنسانيا عادلا وحضاريا بعيداً عن خيار الإجرام والقتل الصهيوني. وعليه، عملت الحركة بهذا الطرح على فتح طريق ومسار مغايريْن لجميع يهود العالم للقطع مع إرث الحركة الصهيونية الإجرامي، والعمل على بناء أثر حضاري وعادل وحر، للفسطينيين أولاً ولجميع أحرار العالم ثانياً.
وعليه، تقدّم الحركة الشعبية لأجل فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة خطاباً مركباً 
ومتكاملاً، أولاً لنا، فلسطينيين وعربا رافضين مشاريع الاستسلام والخنوع والتنازل عن حقوقنا، أو عن جزء من حقوقنا المغتصبة، عبر إعادة الاعتبار لمفهوم القضاء على الحركة الصهيونية وتحرير كامل الأراضي المحتلة، فلسطينيا وعربياً على قدم المساواة. وثانياً عبر دحض الخطاب الطائفي والديني الصهيوني الذي يعمل على تصوير دولة الاحتلال ممثلا وحيدا لأتباع الديانة اليهودية، عبر خط نهج تصالحي وتشاركي وتعاوني مع جميع شعوب العالم الحر، يهوداً كانوا أم مسيحيين أو إسلاميين، على قاعدة العداء والتصدي للحركة الصهيونية ومؤسساتها المنبثقة منها، خطوة أولى لبناء دولة علمانية ديمقراطية واحدة على كامل الأراضي المحتلة منذ 1948، تفصل الدين عن الدولة، وتحمي حرية المعتقد والحريات العامة، وتقوم على مبدأ المواطنة، وتحمي الطبقات الشعبية من الفقر والبطالة والتهميش، وتضمن التعليم المجاني وكل ما يتعلق بالضمان الاجتماعي وحقوق العمل. وتعنى بازدهار الثقافة بمختلف أطيافها، وفقاً لنص الوثيقة التأسيسية الحرفي.
وعلى الرغم من وضوح مواقف الوثيقة التأسيسية، وعلى الرغم كذلك من حجم تشابهها وتطابقها أحياناً مع برنامج حركة التحرر العربية والفلسطينية التاريخية، إلا أن حدّة (وشخصنة) تهجم بعض اتجاهات القوميين العرب واليساريين المحسوبين أو المقرّبين من نظام الأسد، ينقلنا إلى مدى انغلاقهم وقصورهم وتقوقعهم على ذاتهم، إلى درجة يرفضون ويندّدون بجميع الأصوات الوطنية المقاومة والمخلصة لقضايانا مهما كانت، كونها لا تنطلق أولاً من تأييدها نظام الاستبداد والإجرام الأسدي، فوفقا لهم، لا مقاومة ولا مواقف وطنية حقيقية من دون الأسد ومن دون حلفائه الإقليميين. وهو ما يدفع إلى التأكيد على أن طريق حرية الشعب الفلسطيني وخلاصه ينطلق من طريق حرية الشعب السوري  وخلاصه، وهو الذي دفع الكثير حتى اليوم، لنيل حريته وحقوقه المغتصبة من المافيا الحاكمة، فحرية فلسطين جزء من حرية الوطن العربي، وطريق النضال والمقاومة الحقيقية من أجل القضاء على الحركة الصهيونية، وتفكيكها، وكذلك قواها ومرتكزاتها الرئيسية، لا بد من أن ينطلق من مجمل النضال الشعبي العربي، وهو ما يتطلب استعادة الشعب العربي قواه وصوته وإرادته من قبضة أنظمة العار والإجرام والاستبداد والنهب القائمة اليوم، خطوة أولى، لكي يتضافر نضال الشعب العربي مع شعوب العالم الحرة والمستقلة في معركة القضاء على الصهيونية ومعركة بناء الدولة العلمانية والديمقراطية الواحدة على أنقاض الحركة الصهيونية وجيشها من المرتزقة العالمية.