بخّور عُماني في "الأقصى"

بخّور عُماني في "الأقصى"

19 فبراير 2018

بن علوي (وسط) أمام قبة الصخرة بالقدس (15/2/2018/فرانس برس)

+ الخط -
لا تُدرج زيارة وزير الشؤون الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، قبل أيام، القدس الشرقية، وصلاته في المسجد الأقصى، وتجوّله في كنيسة القيامة، ضمن الرؤية الذائعة عن انفراد بلاده بخياراتٍ سياسيةٍ خارجيةٍ خاصة، وهي خياراتٌ غالبا ما لا تتسّق مع المأخوذ به في مجلس التعاون الخليجي (ما أخباره؟). لا صلة لهذه الزيارة، وإهداء بن علوي، في أثنائها، المسجد والكنيسة بخّورا عُمانيا، بهذه الرؤية، فقد سبق لوزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، قبل أزيد من أربع سنوات، أن زار القدس، وصلّى في الأقصى وجال في الحرم القدسي. وكما لم تُحدث تلك الزيارة الكويتية اعتراضا ظاهرا من أحد، فإن الزيارة العُمانية، المستجدة، لم يُواكبها أي جدل، ولا أية تحفظات. ومن المفارقة أن مقادير بالغة من الاستياء، والغضب أحيانا، أعقبت دعوة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "الجميع" إلى زيارة القدس، فليس في الأمر "تطبيع مع الاحتلال أو اعتراف بسلطته"، كما قال في مؤتمر عالمي عقده الأزهر في القاهرة الشهر الماضي. وكان منسوب الغضب الفلسطيني العام من الدعوة نفسها أعلى، لمّا ألحّ عليها قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، غير مرة، (في البرازيل والشيشان مثلا)، بل إنه رأى، أخيرا، زيارة المسلمين القدس أشدّ وجوبا من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة. من المفارقة أن هذه الدعوات قوبلت بانتقادٍ شديد، فيما تم التعامل مع أداء بن علوي زيارتَه بصمتٍ، بل بنوعٍ من التفهم الضمني غير المعلن. 

ربما يعود الأمر إلى توطّن قناعةٍ عامةٍ صارت ملحوظةً لدى المزاج الفلسطيني العام، أن مشاعر طيبة لدى بن علوي، كما نظيره الكويتي سابقا، (كما وزيرا الداخلية الأردني والشباب التركي قبل أسابيع)، وراء حرصه على زيارة القدس، سيما أنها زيارةٌ تمت من دون أي نوع من الاتصال بين مسقط وإسرائيل، وأن السلطة الفلسطينية هي من تولت التنسيق مع سلطات الاحتلال لترتيب أمورها، وهو ما صار متّبعا في زياراتٍ مماثلة. ولعل ما يعزّز هذه القناعة أن مفتي مصر السابق، علي جمعة، "فعلها" بترتيبٍ مع الأردن، وزار الحرم القدسي في 2012، وأن بابا الأقباط في مصر، تواضروس الثاني، "فعلها" أيضا في 2016، لرئاسة قدّاس جنازة مطرانٍ في المدينة المقدسة المحتلة. والبادي أن شعورا بدأ يشيع بين جموعٍ عريضةٍ من الفلسطينيين (والعرب) أن هذه الزيارات، لرجال دين ودعاة ووزراء ومسؤولين عرب، لا تضير قضية القدس، طالما أن بوّابتها فلسطينية، وليست إسرائيلية، وأن المواقف التي يعلنها أصحابها، في القدس نفسها، تشدّد على نصرة صمود أهل المدينة وثباتهم فيها، وعلى مبدئية القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ليس منسيا أن وزير الخارجية المصري الأسبق، أحمد ماهر، ما أن دلف إلى المسجد الأقصى للصلاة يوما في العام 2003، حتى ووجه بعشرات الفلسطينيين الذين خوّنوه، واعتدوا عليه، ما اضطرّه إلى العلاج لاحقا في مستشفىً إسرائيلي. وأجمعت كل التكوينات الفلسطينية على إدانة ذلك السلوك الذي شدّدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي على رفضه. اختلفت تلك الزيارة عن اللواتي سيق الحديث أعلاه عنها، فقد وصل ماهر إلى المسجد المبارك في أثناء زيارته إسرائيل، وبعد لقائه رئيس حكومتها في حينه، إرييل شارون. وإذا كان هذا التمايز التفصيلي بشأن الزيارات إلى القدس جوهريا في أفهام فلسطينيين كثيرين، بمعنى التعامل الإيجابي مع العبور إلى القدس من مدخل السلطة الفلسطينية، والرفض القاطع معه من مدخل سلطة الاحتلال (كما جرى مع وفد بحريني تطبيعي أخيرا)، إذا كان الأمر كذلك، فإن فيه مقادير من الاحتيال على الذات، فالبديهيُّ أن أي زيارةٍ يرغب بها أيٌّ من ضيوف الرئيس عباس للقدس لا تتم من دون أن تُجيزها سلطة المحتل الإسرائيلي. ومن المهم أن يكون هذا واضحا تماما، وكذا التأكيد على أولوية العمل المنظور من أجل القدس نفسها، بدعم أهلها، وتيسير أسباب ثباتهم فيها، في مواجهة زحف التهويد، أي بدعم مشاريع تُعينهم في ذلك، وإسناد صناديق خاصة لذلك. مع كل الاحترام لكل المشاعر الطيبة لدى هذا المسؤول العربي أو ذاك، هذا أوْلى من التقاط الصور في باحة الحرم القدسي. أما حكاية زيارة السجين لا تعني تطبيعا مع السجان، في القدس خصوصًا، فإن فيها ما فيها، وهو كثير.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.