ستذوق إسرائيل الويل هذه المرة

ستذوق إسرائيل الويل هذه المرة

18 فبراير 2018
+ الخط -
بين الحين والآخر، يقدم لنا الإعلام السوري شخصيةً ما، يُلَمِّعُها، يُحَمِّلُها ببعض التصريحات الخنفشارية، ويُفْلِتُها في الوسط.. ويمر وقت قصير، تُفْرِّغُ خلاله هذه الشخصيةُ حمولتها من التصريحات، وتمضي إلى غياهب النسيان، حتى ليصبح صعباً علينا، نحن السوريين، أن نتذكّر اسمَه وكنيته في آن واحد. وأحياناً يغيب عن ساحة تفكيرنا الاسمُ والكنية كلاهما، فنقول ونتحزر: كان في زمان كذا واحد اسمه.. اسمه؟.. ويستحيل أن نتمكّن من استحضاره. آخر هذه الشخصيات التي دفعها إعلام النظام السوري إلى ساحة التصريحات العنترية هو المدعو أيمن سوسان، معاون وزير الخارجية السورية، الذي صَرَّح بأن إسرائيل سترى مفاجآت كثيرة في حال اعتداءاتها على سورية! في إشارةٍ إلى "مفاجأة" إسقاط الطائرة الإسرائيلية من طراز إف 16 على الجبهة السورية أخيرا.
الواضح أن أيمن سوسان سيكون من صقور وزارة الخارجية التي يقودها عميد الدبلوماسية السورية، وليد المعلم، الذي يتحلى بواقعية سياسية مدهشة؛ فهو يعرف حق المعرفة أن سياسة الوريث القاصر بشار الأسد قد جعلت الجغرافيا الأرضية السورية مثل "كشكول الشحادين"، يتجاورُ فيها الحامض مع الحلو مع اللفان، والطازج مع البائت. وفي الكشكول نفسه، توجد حلويات، وفواكه مجففة، ومكسرات مالحة.. وأما سماء سورية، فقد أصبحت، بفضل السياسة ذاتها، مثل بركة ماءٍ آسنةٍ ينظر إليها الإنسان بالمجهر، فيرى الحشرات برؤوسٍ ومن دون رؤوس، ذاهبةً آيبةً، كما لو أنها ذاهبة إلى "السيران" في وادي بردى، على أيام السيرانات.. لذلك اضطر، قصدي وليد المعلم، أن يَخرج إلى الإعلام، بجلالة قدره، ويقول، حرفياً: مَن يريد العدوان على سورية لا يوجد لديه مبرّر أن يعتدي إلا بالتنسيق معنا.
لم يتحدّث المعلم، في ذلك اليوم، ولا في الأيام اللاحقة، عن العدوان الإسرائيلي المستمر والمتواصل على الأراضي السورية منذ سنوات، فهو، وباعتباره دبلوماسياً محنكاً، يعرف أن هناك تفاهماً أميركياً روسياً إسرائيلياً، غير قابل للنقض أو التغيير في المدى القريب، يعطي لإسرائيل الحق في قصف المواقع التي تختارها، متى تشاء، في عمق 40 كيلومترا، بحجة منع وجود المليشيات الموالية لإيران ضمن هذا الحزام. ومن جهتهم، حكام طهران وموسكو ودمشق، يعرفون أن الأميركان مستعدون للدخول في حربٍ سافرة ومباشرة وكبرى، فيما لو تعرّض أمن إسرائيل لخطر حقيقي، وأن قواعد الاشتباك التي تنص على أن يتلقى النظام السوري الضربات بفم ساكت لم تتغير، والدليل أن الطائرات الإسرائيلية دكّت، بعد إسقاط الطائرة إياها، اثني عشر موقعاً عسكرياً (أسدياً - إيرانياً) وبقي الفم المذكور ساكتاً.
في مسقط رأسي، بلدة معرتمصرين إلى الشمال من مدينة إدلب، ينزعج الناس كثيراً من الشخص الذي يطلق التصريحات التي لا تستند إلى قوة أو بأس أو دعم، ويقولون عن مُطْلِقِها إنه: يَقْرُم، ويَشْرُم، ويطشّ، ويفشر، ويعرّ، ويُطَنِّب. ولا ينطبق هذا الكلام، في الحقيقة، على المدعو أيمن سوسان وحده، إذ هناك شخصيات ذات وجود دائم على الساحات الإعلامية، مثل الأخ وئام وهاب، الذي أعلن، في 28 يناير/كانون الثاني 2012، أنه إذا دخل رجب طيب أردوغان إلى الأراضي السورية مسافة متر واحد سينزل مائة ألف صاروخ على المدن التركية. وهذا، بزعمه، قرارُ القيادة السورية. والمراقبون العسكريون يتحدثون اليوم عن وصول القوات التركية إلى تل الطوكان شرقي سراقب، أي أنها تجاوزت ستين كيلومتراً، ولم يضرب القائد السوري فَشَكة واحدة باتجاه الشمال.
لن أحدثكم، بالطبع، عن تصريحات عبد الباري عطوان، الذي رأى أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية كان كمينا إيرانيا سوريا وقعت فيه إسرائيل، وأدى إلى تآكل نظرية التفوق الجوي الإسرائيلي. وهنا لا بد من التذكير بتصريح عطوان السابق الذي نص على قول صدام حسين، وهو أمام المشنقة: لن تهزم أمة فيها عبد الباري عطوان.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...