هل تتوسّط مسقط لرتق الخرق الأميركي؟

هل تتوسّط مسقط لرتق الخرق الأميركي؟

17 فبراير 2018

يوسف بن علوي ومحمود عباس في رام الله (15/2/2018/الأناضول)

+ الخط -
خلال زيارته عمّان الأربعاء الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، أن إدارة بلاده لم تقرّر حدود القدس، وأنها تترك مصير قضايا الوضع النهائي للمفاوضات. وهذا التصريح ليس الأول من نوعه لمسؤول أميركي بشأن القدس، غير أن ترديد رئيس الدبلوماسية الأميركية له يكشف عن مأزق البيت الأبيض والإدارة في وقوفهما ضد الشرعية الدولية والقانون الدولي، وهو موقف أقل ما يقال فيه إنه لا يليق بقوة عظمى. من هنا، تأتي المحاولات الأميركية لفتح بابٍ مواربٍ يشي بإمكانية مراجعة الموقف حيال القدس. وكان الرئيس دونالد ترامب قد سبق تصريح وزير خارجيته بالقول، قبل أيام، إن الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، غير ملتزمين بالسلام! وهو تصريح خجول، يُفهم منه إنه يفتح الباب لانتقاد السلوك الإسرائيلي، خصوصاً أنه جاء مقترناً بانتقاد سياسة الاستيطان، في وقت كانت فيه حكومة الاحتلال تتواصل مع واشنطن، كي تشتمل "صفقة القرن" على إمكانية ضم المستوطنات الكبيرة إلى الدولة العبرية. وهي "الصفقة" التي قال تيلرسون إن العمل جارٍ على تطويرها، وألمح إلى أنها سترى النور في غضون الأشهر القليلة المقبلة. وقد سمع تيلرسون في عمّان، كما من الكويت، موقفاً معترضاً على القرار الأميركي بشأن القدس، علماً أن الرجل، وكما بدا في الأسابيع الأخيرة، هو من أقل أركان الإدارة الأميركية حماسةً للقرار بخصوص القدس.
ولم تشمل جولة الوزير رام الله، وذلك بحكم توقف الاتصالات الأميركية الفلسطينية بقرار من السلطة الفلسطينية، غير أن رام الله استقبلت في تلك الغضون وزير الخارجية العُماني، يوسف 
بن علوي، في زيارةٍ نادرةٍ لمسؤول عُماني الأراضي الفلسطينية. وتبدو الزيارة على جانبٍ من الأهمية، بحكم توقيتها، وكذلك لفترتها الطويلة نسبياً (ثلاثة أيام). ومن الواضح أن أجواء توقف التواصل الأميركي الفلسطيني قد خيمت على زيارة رئيس الدبلوماسية العمانية الذي سبق أن استضافت بلاده مفاوضات أميركية إيرانية، مهدت لمفاوضات إيرانية غربية طويلة، أفضت إلى الاتفاق النووي في أواخر العام 2015. وبهذا، فإن مسقط تتوفر على خبرةٍ في جمع أميركا مع خصومها، نظراً للعلاقات المتشعبة التي تقيمها السلطنة مع دول المنطقة والعالم. كما استضافت مسقط لقاءات تفاوضية بين أطراف النزاع اليمني.
وبينما يسعى الجانب الفلسطيني إلى رعاية دولية موسعة للمفاوضات، تشمل الولايات المتحدة ولا تقتصر عليها، فإن رام الله لا بد أن ترحب بأي مسعىً عُماني لإعادة التجسير مع واشنطن على قاعدة مراجعة الموقف الأميركي بشأن القدس، وكي لا يكون مصير صفقة ترامب مُشابهاً لردود الفعل الساخطة والشاملة على مستوى العالم بأسره حيال الموقف من القدس ومجمل التسوية.
معلومٌ أن عُمان رحبت في العام 1993 باتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، وسمحت، أسوة بعواصم عربية وخليجية أخرى، بفتح ممثلية تجارية إسرائيلية في عاصمتها. لكن الممثلية لم تلبث أن أغلقت بعد بضع سنوات، نتيجة تنصّل تل أبيب من موجبات عملية أوسلو، وعقب مقتل اسحق رابين الذي مهر الاتفاقية بتوقيعه إلى جانب الرئيس الراحل ياسر عرفات.
والبادي أن مسقط، ذات الخبرة في المفاوضات الصعبة، شاءت الدخول على خط الاستعصاء الحالي، مستندة إلى علاقتها الوثيقة مع واشنطن وعلاقتها الجيدة مع الجانب الفلسطيني، وبعد أن رفضت واشنطن الإصغاء إلى نصائح الأصدقاء، ومنهم الصديق الأردني، بما وضع واشنطن في موضع أقرب إلى العزلة الدولية، بعد اعتراض أقرب حلفائها إليها، كبريطانيا وفرنسا. والراجح أن الدبلوماسية العمانية لن تندفع إلى التقدم بمبادرة أو طرح مشروعٍ ما لتحسين فرص التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، غير أنها مؤهلة للتقريب بين رام الله وواشنطن مجدّداً، وبأمل إعادة سكة العلاقات بين الجانبين إلى ما كانت عليه قبل اتخاذ القرار الطائش بخصوص القدس، ومن أجل الخروج بـ "صفقة" متوازنة وجدّية، لا تتصادم مع الشرعية والقانون الدوليين، ومع المواقف المعلنة والدائمة لبقية دول العالم، ومن ضمنها الدول الصديقة تاريخياً لأميركا.
في هذه الأثناء، كان الوزير العماني واضحاً في مستهل زيارته بإعلان تمسك بلاده بحق الفلسطينيين في التمتع بدولتهم المستقلة، معتبراً ذلك ضرورة استراتيجية. وهو موقفٌ، وإن بدا يُجدّد موقفاً ثابتاً للسلطنة، إلا أن التأكيد عليه، في هذه الآونة، يرتدي أهمية خاصة، وذلك بعد الموقف الأميركي حيال القدس، وبعد التسريبات عن بعض ملامح صفقة ترامب التي تعرض 
على الفلسطينيين دولةً منقوصة السيادة، وبغير حدودٍ بريةٍ وجويةٍ وبحريةٍ معترف بها لهذه الدولة، بما يجعلها عملياً دولة تحت الاحتلال. ولا شك أن الوزير بن علوي قد استمع إلى شرح من مضيفيه الفلسطينيين بشأن ما توفر لديهم من معلومات حول صفقة ترامب، وبشأن موقفهم المتمسك بالقرارات الدولية، وكذلك بالاتفاقات السابقة مع تل أبيب، والتي نقضها الاحتلال وقفز عنها بكل صفاقة. وكذلك إلى المسوّغات الموضوعية والواجبة لتوسيع الرعاية الدولية للعملية السياسية، من دون أن يعني ذلك إقصاء الجانب الأميركي. غير أن الرعاية الموسعة، والتي قد تشمل الدول الخمس في مجلس الأمن، لا بد أن تنعكس على أي مشروع للتسوية. فما معنى أن تنفرد واشنطن بوضع مشروع للتسوية بمعزلٍ عن الدول الأربع في مجلس الأمن، وكذلك عن الشركاء الأوروبيين؟ أجل، هناك وضعٌ خاص لواشنطن، بالنظر إلى تحالفها مع دولة الاحتلال، غير أن مفاوضات مدريد، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم تكن بمعزل عن دول العالم الفاعلة. وحتى اتفاق أوسلو، لم يكن الأوروبيون في منأىً عنه. وما زال الاتحاد الأوروبي ضامناً للاتفاق، وإن كان يعجز عن ممارسة تأثير سياسي كافٍ على تل أبيب السّكرى بغطرسة القوة.
وفي ضوء ما تقدم، فإن زيارتي تيلرسون عمّان وبن علوي رام الله المتزامنتين تشكلان معاً محاولةً لمعالجة حالة الاستعصاء الذي يفاقمه الجموح الإسرائيلي. وعليه، تمثل الأسابيع القليلة المقبلة فرصة للدبلوماسية الخليجية والعربية، سعياً إلى عقلنة التوجهات الأميركية، وللحؤول دون تقديم مزيدٍ من الذرائع للتطرف، بما فيه التطرف الإسرائيلي الذي يسعى إلى تديين الصراع، علاوة على تطرّف إيران و"داعش"، وكي لا تؤدي صفقة ترامب المرتقبة، إذا انفرد الأميركيون بوضعها، إلى مزيد من التأزيم والتوتير، بدلاً من وضع نهايةٍ عادلةٍ للصراع الطويل الذي حُرم فيه الطرف الضحية حتى الآن من كل حقوقه الوطنية والسياسية.