إسقاط طائرة خلط الأوراق

إسقاط طائرة خلط الأوراق

17 فبراير 2018
+ الخط -
يعلم السوري أن "إسرائيل" عدوه التاريخي منذ عقود، ويستغل هذا العدو الصراع الداخلي - الدولي على الأراضي السورية، لتقوية حضوره السياسي والعسكري في المنطقة. ولعل حدث إسقاط الطائرة الإسرائيلية في الجولان المحتل بنيران سورية أخيرا، سوف يشكل "منعطفاً شعبياً" لقاعدة النظام السوري وحلفائه، ولكن من السذاجة اعتبار قرار استهداف طائرة لسلاح جو اعتاد أن يقصف مواقع عسكرية في العمق السوري، وبتنسيق مع حلفاء الأسد "الاحتفاظ بحق الرد" المستمر ارتجاليا أحاديا، بل خطوة بدلالات سياسية أكثر منها لتغير ميزان القوى على الأرض، إذ ينشغل النظام في الشمال بمحاولات عديدة للوصول إلى آبار النفط التي تهيمن عليها المليشيات الكردية، ذراع الولايات المتحدة، فيما يقصف الروس إدلب وأريافها بحثاً عن جبهة النصرة، ويفتت الغوطة الشرقية وما حولها، وأغلبية الضحايا من المدنيين.
وفي ظل ذلك، يُلاحظ كيف يختفي تنظيم الدولة الإسلامية من ريف حماة، من دون أن نعرف كيف ظهر أساساً، ولماذا يؤمّن له النظام الطريق إلى المناطق المعارضة باستمرار؟ وفي صلب هذا التسارع، تعاني إيران من تصدع دولي في المنطقة، أحد أسبابه عائد، ربما، للعمليات العسكرية لحليفتها تركيا في عفرين، لكن أغلب الأسباب تراجع دورها في الحرب السورية أمام الدور الروسي.
من هنا، يمكن الانطلاق إلى قراءة لأبعاد الصدام العسكري الذي حدث في جبهة الجنوب 
السوري مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ أطلقت إيران، حسب معلومات إسرائيلية، طائرة بدون طيار من مطار "تي 4" في ريف حمص قرب تدمر، ودخلت الأراضي المحتلة في الجولان، وكانت إسرائيل تراقبها إلى حين إسقاطها، ثم بدأت عملية الرد المقابل، فكانت طائرة أف 16 الإسرائيلية ذاهبة نحو الموقع الذي أطلقت منه طائرة المراقبة الإيرانية تلك، فردّت دفاعات النظام، بتوجيه إيراني عبر سلاحها الروسي، على صواريخ الطائرة وأسقطتها فوق الجولان. وبعد ساعات استهدفت إسرائيل نحو اثني عشر موقعاً للنظام في العمق السوري، من دون أي رد. وهي: (مطار تي 4، وتم إخراجه عن الخدمة مؤقتا بعد تدمير برج المراقبة، مطار المزة العسكري في دمشق، جبل المانع شرقي مدينة الكسوة، تل أبو ثعالب جنوب دمشق. منطقة الديماس وسهل بلدة مضايا شمال غرب دمشق، الفوج 16 في القلمون الشرقي، ويعتبر أحد أهم النقاط العسكرية التي تحتوي على أنظمة دفاع جوي، موقع تابع للواء 104 حرس جمهوري في منطقة الدريج، اللواء 156 على تلة الصبا شرقي بلدة عالقين، الفوجان 79 و89 في بلدة جباب شمال درعا، الفوج 175 في محيط مدينة إزرع شمال درعا).
رفعت روسيا يدها عن الأمر، وأخذت وقتها للتعليق على الضربات الجوية، وهي، بشكل أو بآخر، تدفع إيران إلى الواجهة، فالعلاقات الروسية الإسرائيلية في تنسيق مستمر للعمليات العسكرية التي يقوم بها طيران الاحتلال الإسرائيلي داخل سورية.
تداعت التصريحات، لتؤكد قاعدة حميميم من اللاذقية أن موسكو لم تشارك في عملية التصدي للهجمات الإسرائيلية بشكل مباشر، وأكدت أن "وسائط الدفاع الجوي السوري نفذت المهمة بقدراتها الخاصة التي تم تطويرها في وقتٍ سابق"، في إشارة من القوات الروسية بتغيير منظومة الدفاع تلك، لتصل رسائلها إلى حلفاء إسرائيل في الشمال السوري، أي الولايات المتحدة التي تمنع أي تقدم للنظام وشركائه نحو مناطق انتشار أصحاب الأعلام الصفر من مليشيات "سورية الديمقراطية"، وبالتالي توريط الشريك الطائفي الذي بات يؤرق تمدّده الشيعي في المنطقة روسيا ونظام الأسد. وهنا رأى الأخير أنها فرصة مناسبة لإنعاش الموالين له في الشارع السوري، والاحتفال بإسقاط طائرة للعدو الذي كان ينعم منذ أربعين عاماً بالهدوء.
استثمار سياسي للنظام لم يفصح أن صواريخ إسقاط الطائرة روسية حديثة، وقرارها إيراني متردد! ناهيك عن كميات الخسائر التي يتكبدها في المحرقة السورية، لعل آخرها استهداف مئة عنصر من قواته أغلبهم من الشيعة قرب دير الزور بنيران التحالف الدولي، بسبب محاولتهم التقدم نحو مناطق تهيمن عليها الولايات المتحدة.
إسرائيل، العدو التاريخي، مجدداً، يقفز إلى الواجهة، بينما يدمّر طيران الروس ما بقي من
المناطق المعارضة بالنار والكيميائي، وذاك العدو "يتوعد إيران برد قاس في سورية"، حسب تصريحات رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، والنظام يحصد الإعجابات من آلاف السوريين المحبطين ذلاً وقهراً وبحاجة إلى "نصرٍ ما"، حتى لو كان على حساب خلط أوراقهم الوطنية بسموم إيران وروسيا على نار صهيونية، تزعم أنها تستهدف مواقع إيرانية.
لا أحد يعرف لماذا لا توجه إسرائيل صراعها المزعوم إلى إيران مباشرة، من دون أن تحرق أرضنا، وما دفعه السوريون من دمهم وأموالهم كي يكون سلاحاً بيد الطاغية الذي ساهم بجرّ الجيوش إلى أن ترسم خرائطها الدولية الدائمة، حفاظاً على رأسه، والسوريون يتبادلون التخوين من قبيل: "تم إسقاط طائرة للعدو، ومن لا يحتفل بذلك فهو ليس سوريّاً" وأي احتفال (...) بعد الإسقاط، قصفت إسرائيل عشرات المواقع داخل بلادي، وثمّة من يطالب بـ"أن تسقط كل الطائرات في سماء سورية، ليس فقط الطائرات الإسرائيلية".
ويبقى السؤال الأكثر إشكالية: من أسقط طائرة خلط الأوراق تلك، إذا كانت كل دفاعات النظام العسكرية لا تطلق رصاصةً من دون إذن روسيا، والتي بدورها تبرأت من التدخل، ودعت إلى التهدئة بين جميع الأطراف، حسب ما طلبت إسرائيل، حيث لا تريد التصعيد مع إيران وسورية، حسب زعمها.