خطة طموحة وسياق مأزوم في المغرب

خطة طموحة وسياق مأزوم في المغرب

16 فبراير 2018
+ الخط -
بعيداً عن تقديرات المزاج السياسي في المغرب، سريع التقلب، يمكن التفكير في قراءة خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي أعلنتها الحكومة المغربية أخيراً، من خلال شبكة موضوعية من المؤشرات، تنطلق من مسلسل التحضير والصياغة، عبر مساءلة حدود الإشراك والتداول والاستشارة والانفتاح، ثم طبيعة المضمون، عبر بحث البناء العام للخطة ودرجة انسجام الأهداف مع الوسائل والتدابير المعلنة، ثم مسار التنفيذ عبر تتبع آليات الإشراف والتقييم.
وقبل ذلك، لابد من الوقوف على ما يجعل منها فعلاً تحمل اسمها بوصفها خطة وطنية، وليس مجرد سياسة عمومية أو برنامج حكومي. ما يعني الضبط الواضح للعلاقة الدقيقة بين مستويي الأهداف الاستراتيجية والإجراءات التنفيذية.
تطمح الخطة إلى أن تقدم نفسها مرجعية لتأسيس وإعادة تأسيس السياسات العمومية بناء على مقاربة منطلقة من حقوق الإنسان، وهي بذلك تثمن البعد الحقوقي داخل فلسفة الفعل العمومي، لكنها في الواقع لا تصل إلى مبتغى هذا الطموح دائماً، إذ قد نصادف في بعض المحاور الفرعية تدابير أو اقتراحات جديدة ومبتكرة، لكنها ليست بالضرورة منطلقة من مقاربة حقوقية.
بين هذا الطموح وهذا الواقع، تبدو الخطة في بعض لحظاتها القوية إعادة صياغة للفعل العمومي، انطلاقاً من مقاربة حقوق الإنسان، وتتحول، في لحظات أخرى، إلى مجرد إعادة تركيب برامج حكومية موجودة.
واضحٌ أن إكراه الطبيعة الممتدة لمجالات حقوق الإنسان شكل هاجساً لواضعي الخطة ذات الامتدادات الأفقية، وهو ما أحدث بالضرورة حالاتٍ من التقاطع مع خطط واستراتيجيات وبرامج عمومية أخرى. لذلك تصبح الخطة، خلال بعض محاورها، مجرد إحالة على توجهات استراتيجيات سابقة (التربية والتعليم/ مكافحة الفساد)، أو تتحول، في حالات أخرى، إلى مجرد منبر للدعوة لتأسيس استراتيجيات قطاعية جديدة (البيئة والسكن)، أو حتى للدعوة إلى صياغة خطة عمل وطنية جديدة في مجال من المجالات (المقاولة وحقوق الإنسان).
تحمل الخطة نقاط قوتها، باعتبارها نصاً مرجعياً للفعل العمومي، عندما تحتل، بشكل جيد،
 مكانتها بين السقف المعياري الوطني ممثلاً في الدستور، أو خلاصات الممارسة الاتفاقية، والحاجة لتفعيل هذه التوجهات العامة، مقترحة مسالك تشريعية أو تدبيرية أو مؤسساتية، كما الحال في المحاور الفرعية المتعلقة بالحكامة الأمنية ومكافحة الإفلات من العقاب، وحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي.
أكثر من ذلك، تبدو رائدة عندما تنفتح على باب الثقافة، من خلال محور غني بالاقتراحات حول الحقوق الثقافية.
تطرح مصادقة المجلس الحكومي على الخطة السؤال عمّا إن كان مطلوباً عرضها أمام أنظار المجلس الوزاري، لاندراج عديد من مضامينها ضمن دائرة السياسة العامة للدولة، وهو ما من شأنه تعزيز مستوى الالتزام السياسي، بمحاورها ذات الطبيعة الأمنية مثلاً. وفي الأفق نفسه، تبدو الحاجة ماسّة للبحث عن إمكانيات فعلية لانخراط البرلمان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في تفعيل الخطة، باعتبارها استحقاقاً وطنياً.
يحضر في هندسة الخطة البعد الأفقي، من خلال هاجس التقاء السياسات والبرامج ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان. وفي المقابل، تغيب المقاربة بشأن القطاعية التي قد تسمح بتدبير القيادة السياسية محاور الخطة وبالسهر على تتبعها، تماماً مثلما تغيب المقاربة الترابية المدمجة لبنيات الديمقراطية المحلية والجهوية.
على عكس وقوف متابعات نقدية كثيرة للخطة على هيمنة المرجعية الهوياتية في صياغتها، لا يبدو بالعودة إلى النص أن هذا الدفع يقوم على أساس حقيقي، فالخطة تعلن انطلاقها من المرجعيات الأساسية للبلاد، كما هي واضحة في الدستور. والأكثر من ذلك أنها في صلب متنها تبدو منخرطةً بوضوح في منطق المرجعية الدولية وقيمها الكونية.
طبعاً، تختار الخطة، في النهاية، عدم الحسم في أربع قضايا خلافية (ليست بالمناسبة جميعها موضوع توتر مجتمعي، كما جاء في الوثيقة) تهم: الإعدام، المحكمة الجنائية الدولية، علاقات الشغل، مدونة الأسرة، لكن هذه الاستثناءات غير كافية لانتصار فكرة هيمنة خطاب الخصوصية والهوية.
تبقى خطة العمل الوطنية من أجل الديمقراطية عموماً إحدى لحظات التقاط الدولة الخبرة الحقوقية المكرسة وللذكاء المدني والمجتمعي. ولعلها بذلك تستحق موضوعياً قراءة "محايدة" و"بريئة"، تقف على إمكاناتها وحدودها في أفق تملكها ضمن دينامية الترافع الاجتماعي والنضال الحقوقي، وهو أمر ليس بالسهل منهجياً وسياسياً، بالنظر إلى أزمة السياق الموسوم بالتراجع ومناخ تبديد الثقة. هذا ما يعني أن أكبر خصم لهذه الخطة الطموحة ليس سوى سياقها المأزوم.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي