الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن تقع

الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن تقع

14 فبراير 2018
+ الخط -
أثار حادث إسقاط طائرة إسرائيلية بنيران سورية مخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، حليفة سورية، قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة. وتفاوتت ردود الأفعال، عربيا على الأقل، ما بين من رأى في الحادث رسالة "ردع" لإسرائيل التي تعوّد سلاحها الجوي على استباحة الأجواء العربية من العراق حتى تونس من دون خوف، وبين من هلل للحرب المقبلة بين إسرائيل وإيران التي تعتبرها دول خليجية، السعودية والإمارات خصوصا، عدوها الاستراتيجي والعقائدي الأول.
وبعيدًا عن كل التخمينات المتضاربة، يعد ما حصل سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة. وعلى الرغم من قوة رد الفعل الإسرائيلي على الحادث الذي جاء عبر ضربات جوية مكثفة، شنها سلاحها الجوي في سورية، فإنه لم يؤد إلى تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة، لأن تل أبيب لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران، أو على الأقل لا تسعى إليها في الوقت الحالي. ونكاد نلمس الموقف نفسه عند الطرف الآخر، أي إيران التي حاولت أن تنأى بنفسها عن الحادث، واكتفت بلغة التهديد التي تعود قادة النظام الإيراني على إصدارها ضد إسرائيل منذ قيام الثورة الإيرانية، من دون المرور إلى تنفيذها.
ومع مرور الأيام، أصبحت المواجهة التي كان أصحاب نذر الحرب الشاملة يدقّون طبولها تبتعد أكثر فأكثر، ليعود الهدوء المشوب بالحذر إلى سابق عهده، لعدة أسباب، أهمها أن أية مواجهة 
مباشرة بين إسرائيل وإيران لن تكون حربا مباشرة بينهما، وإنما ستتوسع إلى مواجهة شاملة تجر إليها كل أطراف اللعبة في المنطقة، فالمواجهة بين إيران وإسرائيل ستكون مدمرة وقد تتحول، في حال قيامها، إلى حرب عالمية مدمرة.
لذلك، يفكر المسؤولون في طهران وتل أبيب أكثر من مرة في كل خطوة مقبلة، ويعيدون حساباتهم بالعواقب الوخيمة قبل الإقدام عليها، ولكل منهما حساباتهما الاستراتيجية الخاصة التي يريد كل منهما الحفاظ عليها بأقل تكلفة. فإيران لا تريد التنازل عن مصالحها في سورية ولبنان، وإسرائيل لا تريد للحرب السورية أن تنتهي، لأنها ترى فيها حربا لاستنزاف قوة جيوش أعدائها في المنطقة. وكلا الطرفين حريصٌ أكثر من عدوه على ألا تتحول أية مواجهة محتملة بينهما إلى حرب شاملة، لأنه يدرك أن قوة عدوه قادرةٌ على إلحاق أضرار فادحة به. وفي المقابل، يرى كلاهما أن الوضع الحالي، أي حروب الوكالة، كفيلٌ بأن يحقق لهما أهدافهما الاستراتيجية بدون كلفة كبيرة.
فإيران نجحت من خلال الحرب السورية أن تقوّي وجودها ومصالحها في سورية وإيران، وقبل ذلك في العراق، وتسعى إلى فعل الشيء نفسه في اليمن. وتجد إسرائيل نفسها في وضع جد مريح، فالحرب السورية لا تستنزف فقط قوة أعدائها الشرسين، وإنما تشغلهم عن مناوشتها، كما تشغل الرأي العام العربي والدولي عن مشاريعها الاستراتيجية التي تسعى إلى القضاء على القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية لاجئين، والاستيلاء على كل الأراضي الفلسطينية لإقامة إسرائيل الكبرى.
الطرف الضعيف في هذه المعادلة هم العرب الذي انقسموا كعادتهم ما بين مهللٍّ لحادث سقوط الطائرة الإسرائيلية الذي اعتبره بعضهم نصرا كبيرا على العدو الإسرائيلي وفرحٍ لقرب المواجهة الشاملة بين إسرائيل وإيران عدوهم اللدود الذي يتمنون نهايته العاجلة، ومستعدون لدفع المال الوفير وتقديم كل التنازلات المطلوبة وغير المطلوبة، بما فيها التخلي عن فلسطين وقضيتها ومقدساتها، من أجل دمار إيران وخرابها.
وفي الحالتين، أي في حالة حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل، أو عدم حصولها، وهذا هو 
الأرجح، سيكون العرب أكبر الخاسرين، لأنهم الحلقة الأضعف في اللعبة. وقد أظهرت ردود الفعل العربية على حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية مدى الانقسام الذي يمزّق الصف العربي الرسمي والشعبي. وفي حال حصول مواجهة حقيقية، فإن تداعياتها الخطيرة ستؤدي إلى اتساع الشرخ العربي أكثر فأكثر، بين الأنظمة العربية المنقسمة اليوم على نفسها وبين هذه الأنظمة وشعوبها، عندما يفرض عليهم خيار فاصل بين الوقوف مع إيران أو مع إسرائيل.
من دون أن ننسى أن الحرب في سورية تحولت اليوم إلى لعبة أمم كبرى، لن يسمح لتل أبيب أو طهران أن تقرّرا في مصيرها بعيدا عن باقي الأطراف الأخرى المتورّطة فيها، وخصوصا موسكو وواشنطن. لذلك يعتقد مراقبون كثيرون أن قرار إسقاط الطائرة الإسرائيلية لا يمكن أن يتم بدون ضوء أخضر من موسكو، كما أن الرد الإسرائيلي العنيف لم يكن ليحصل بدون استشارة مع واشنطن. فالحرب في سورية تعقدت إلى درجة أصبح فيها اللاعبون الصغار مجرد منفذين للخطط الاستراتيجية للكبار، خصوصا الروس والأميركيين الذين سعوا، كل من جانبه، إلى تهدئة الأوضاع، ولجم حلفائهم لتجنب مزيد من التصعيد.
ما يحصل في المنطقة اليوم هو إعادة ترسيم خطوط التماس، وإعادة النظر في قواعد الاشتباك بما يبقي الوضع على حاله مضبوطا وتحت السيطرة، مع استمرار حالة اللاحرب واللاسلم التي تضع المنطقة في حالة عدم استقرار دائمة من يدفع ثمنها الشعوب التي تحولت إلى فئران تجارب لتجار الأسلحة في العالم. لذلك، من يهللون اليوم لـ "الانتصار" السوري الإيراني على إسرائيل، مثل الذين يدقون طبول الحرب بينهما، كلاهما مثل الراقصين على الجثث، اليوم راقصون وقد يجدون أنفسهم غدا جثثا هامدة تحت أقدام راقصين جدد.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).