على ماذا يتفاوضون؟

على ماذا يتفاوضون؟

11 فبراير 2018
+ الخط -
أغلقت مفوضية الانتخابات في العراق باب تسجيل التحالفات منذ وقت طويل، بينما نسمع يوميا إعلانات عن انسحابات وتحالفات جديدة. المعنى القانوني والإجرائي لهذه الإعلانات غامض جدا؛ فبعض المعلنين يدرك الحرج، فيتحدث عن التحالفات على أنها ستنفذ بعد الانتخابات. ولذلك، يمكن استنتاج إن الموضوع الأساسي الذي تدور حوله مفاوضات الزعامات السياسية، ويؤدي إلى هدم تحالفات وبناء أخرى جديدة هو تشكيل الحكومة.
عبرت القوى الحاكمة اليوم مرحلة الانتخابات، وهي تدير مفاوضاتها، باعتبارها فائزة وتقوم بتقسيم المواقع، مهما أنكرت هذا التفاوض، فهي لا تريد الخضوع للتوقيتات الدستورية، بعد الانتخابات، فيضيق مجال المناورات والمساومات، هي تسعى إلى حسم الأمور مبكرا، وجني الأرباح سريعا، لذلك من المتوقع أن تقصر مدة التفاوض على تشكيل الحكومة بعد الانتخابات وتكون أسهل فيما لو لم تحدث مفاجآت.
الواضح أن القوى الشيعية هي التي تشهد الجزء الأعظم من حراك التحالفات، هدما وبناء، لأنها اطمأنت نهائيا إلى أن رئاسة الوزراء من حصتها. ولذلك يتفاوض الزعماء باعتبارهم صنّاع كل رئيس وزراء، نتيجة للمحاصصة السياسية التي تحولت إلى أمر واقع، أقوى من الدستور، بل أقوى من الأحلام والكوابيس إلى درجة استسلام جميع القوى السياسية لهذا الحال الذي أسس لحال ثان، يقول إن فصائل وأحزاب معينة هي التي تمثل الشيعة، ولذلك يتصرف بضعة ساسة شيعة على أنهم صناع القدر المحتوم، بعد جرعة قوة ومصادفات مكنتهم من كل خيوط اللعبة.
يتفاوض الزعماء الشيعة منذ الآن على تشكيل الحكومة، ويساومون بعضهم بعضا على منصب رئيس الوزراء الذي يبدو أنه سيذهب إلى الدعوة أيضا، على الرغم من عدم دخول الحزب رسميا للانتخابات وانقسام قيادته بين قائمتين؛ لذلك يتفاوض تيارا الصدر والحكيم سريعا على المواقع، بينما يتربص المجلس الأعلى والفتح في انتظار استكشاف حظوظهما، باعتبار أنهما يخوضان تجربة جديدة، لكنهما مطمئنان لحضورهما في السلطة بصيغة ما، على الرغم من ضعف المجلس وتراجع صوته، حيث يفتقر للأصوات العالية، بسبب عمر قياداته جسديا وسياسيا.
كل قائمة شيعية من القوائم الست الشهيرة (النصر، دولة القانون، سائرون، الحكمة، الفتح، المجلس) جهزت أجنحة سنية وعلمانية رديفة في داخلها أولا، لتقول إنها غير طائفية، أو عابرة للطائفية، كي تعالج أزمتها النفسية. وثانيا، لكي لا تخضع لشروط القوائم السنية المهيمنة حاليا مع توقعاتٍ بتشتت تصويت السنة، بسبب التكاثر السريع والكبير لأحزابهم مع خارطة سياسية وشعبية معقدة؛ لذلك من المتوقع أن لا تفاوض القوائم الشيعية القوائم السنية المعروفة، ما دامت قد حصلت مسبقا على حلفاء سنة؛ كما سهّل الكرد على الشيعة أمر التفاوض معهم أيضا، فمن جهةٍ يواجه الحزبان الكبيران (الاتحاد والديمقراطي) أزمات داخلية كبيرة وبوصلة حائرة بسبب ظروف الإقليم. ومن جهة أخرى، تتصاعد قوة وشهرة وشهوة السلطة عند أحزاب كردية (التغيير، العدالة والديمقراطية، الجيل الجديد، الجماعة الإسلامية) فضلا عن خصومتها للحزبين القديمين بدرجة تدفع هؤلاء الطامحين لمرونة أكبر في التفاوض مع الأحزاب الشيعية التي تخوض أسهل انتخابات مضمونة بقانونها ومفوضيتها ونتائجها، ولا يعكر صفوها إلا مخاوف تراجع أعداد المشاركين رغم أن هذه الأحزاب قادرة على رفع نسبة المشاركة بطريقتها لكنها تريد تحويل المشاركة إلى الموضوع المركزي للانتخابات، كما يحدث في كل ديمقراطية سجينة محسومة النتائج.
سنخوض هذه الانتخابات بدون شعارات أو معارك طائفية، لقد استتب النظام واستقر؛ ليس فقط طائفيا وإنما حزبيا وفرديا وعائليا أيضا؛ نحن مقبلون على الصفحة الثانية من نظام التحاصص الطائفي والعرقي؛ أي الركود، حيث نعيش حالة الاستسلام إذ سيظهر للأميركان ودول المنطقة أنّ العراق حصل على نظامه الثابت لكن غير المنتج أيضا.
القوى الشيعية أكثر من يشعر بالحرج، فهي في وقت نجاحها الحزبي تأخذنا جميعا إلى قعر الدولة الفاشلة؛ هي تحديدا مثل تلميذ نجح بالغش، هو سعيد بالنجاح لكنه مفضوح أيضا، إذ يعرف الجميع بفشله وكسله المزمنين، وهو حتى لو تحالفت الظروف ليصبح رئيسا للوزراء، سيبقى فاشلا إلا في جني الأرباح الشخصية، وهي أرباح يمكن جنيها في مهن أخرى، يكون الفاشل فيها ناجحا أو أن فشله يكون أقل أذى.
C61F1BFF-41B8-4598-8155-8EC286AF1DDC
C61F1BFF-41B8-4598-8155-8EC286AF1DDC
ساطع راجي (العراق)
ساطع راجي (العراق)