العالم وفلسطين في الأمم المتحدة

العالم وفلسطين في الأمم المتحدة

10 ديسمبر 2018
+ الخط -
عندما تصوّت 111 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع إلغاء قرار سبق صدورُه في عام 1975 اعتبار الصهيونية حركةً عنصرية، في مقابل 25 دولة عارضته، وامتنعت 13 عن التصويت، عندما يحدث هذا في عام 1991، لا يُصبح مستغربا أن تصوّت في عام 2018 (في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري) 87 دولة مع قرار اعتبار المقاومة الفلسطينية إرهابا، وتمتنع 32 دولة عن التصويت، وترفضه 58 دولة. هناك إذن تراجعٌ واضحٌ في نصرة دول وحكومات في العالم فلسطين. وحتى تستقرّ هذا الحقيقة في أفهامنا ومداركنا، يحسُن أن نتذكّر أن قرار عنصرية الصهيونية مرّ بتصويت 72 دولة معه، ومعارضة 35 دولة وامتناع 32. وأن لا يغيب عنا أنه لولا مقترح الكويت الذي مرّ بأكثرية ثلاثة أصوات، باعتماد الثلثين ليصبح مشروع القرار قرارا، لصار المشروع الأميركي الذي ينعت حركة حماس وفصائل فلسطينية مقاومةً أخرى بالإرهاب واحدا من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، النادي الدولي الذي تتكئ عليه الدول المستضعفة، هروبا من مجلس الأمن، لإرضاء نفسها بقراراتٍ يُعتدّ بها أخلاقيا، من دون أن تُستحدث لها سبل تنزيلها في الواقع. ولأن هذا هو الحال، يصحّ أن نغتبط، نحن الفلسطينيين والعرب، بخيبة أميركا، ومندوبتها المستقيلة، نيكي هيلي، والتي أرادت أن تغادر موقعها بهديةٍ مضافةٍ إلى المحتل الإسرائيلي. يصحّ هذا، على أن نعرف أن ما جرى كان "نصرا بطعم الهزيمة"، على ما أحسن معلقون عربٌ التوصيف.
أصدقاء إسرائيل، أنصارُها، حلفاؤها، يزيدون، في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. أصدقاء فلسطين، مناصروها، المدافعون عن حقوق أهلها، يتناقصون في هذه القارات، والحديث هنا عن الدول فحسب. كل دول الاتحاد الأوروبي صوّتت مع مشروع القرار الأميركي، ودول كثيرة في أميركا الجنوبية، كما أن دولا في منظمة التعاون الإسلامي امتنعت عن التصويت، ولم تناصر الصين، ولا الهند، المقاومة الفلسطينية. ومن كثيرٍ يعنيه هذا كله أن العالم إذا ودّ قبولَنا، فإنه يفعل ذلك بشروطٍ تأخذ في الحسبان إسرائيل وأمنها ومدنييها، أحببْنا هذا أم لم نحب. وإن انتصار دولٍ لقضايانا لم يعد كما في أزمنةٍ مضت، لمّا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة واحدةً من حلبات نصرة كل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية، بالكفاح والنضال والمقاومة. تغيّر العالم، وتغيّرت حساباتٌ كثيرةٌ فيه، وإذ تفعل إسرائيل الأفاعيل والجرائم التي تريد، فذلك يشحن بيانات تنديدٍ لحظيةٍ بلغةٍ عاتبة، أو غاضبةٍ أحيانا، وبهذه الحدود فحسب، ليس من دولٍ كثيرةٍ مستعدّةٍ لتجاوزها.
هو مسارٌ معلومةٌ محطّاته وتفاصيلُه، ما إن انتهت حرب تحرير الكويت وتدمير العراق في 1991، وبدأ رئيس الولايات المتحدة في حينه، جورج هربرت بوش، يشيع أن نظاما دوليا جديدا سيشقّ طريقه، حتى انتبهت إسرائيل إلى أن اللحظة دنت ليلحس العالم كلامه عن عنصرية الصهيونية، فكان ما نعرف. ثم صارت "أوسلو" و"وادي عربة"، وإنْ بعد سنواتٍ من "كامب ديفيد"، فقامت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والفاتيكان في 1993، ونشطت دولة الاحتلال في تدشين علاقاتٍ أوثق مع الصين والهند، وفي تعاونٍ ومبادلاتٍ تجاريةٍ واتفاقاتٍ أمنيةٍ مع دولٍ بلا عدد في آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. وفي الغضون نفسها، تطبّعت علاقاتٌ إسرائيليةٌ مع دولٍ خليجية ومغاربية. ثم مع تدهور مهولٍ في الحالة الفلسطينية، كانت نجاحات إسرائيل الدبلوماسية والسياسية تتسارع، أيا كان اسم رئيس الحكومة فيها، إرييل شارون أو إيهود أولمرت أو بنيامين نتنياهو أو إيهود باراك، وكانت الاعتداءات الإسرائيلية، والاجتياحات البرّية، وعمليات القصف الجوي، وجرائم الاغتيال والقتل، تتوالى، في قطاع غزة ولبنان والضفة الغربية وسورية ودبي، تتوالى، من دون أن يعني أيٌ منها شيئا في مسار حصاد إسرائيل ثمار الهوان العربي المعلوم، والمكوث الفلسطيني في القاع، حيث الانقسام الجغرافي والسياسي مثلا مخزٍ في استعصاء حلٍّ ينهيه منذ أزيد من عشر سنوات.
قصارى القول، حسنٌ جدا أن هزيمةً لأميركا حدثت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح فلسطين، والشكر مؤكّد لدولة الكويت، ولكل من ناصر المقاومة الفلسطينية عن حق. ولكن أحسنُ من هذا أن نطالع جغرافيا السياسة، والراهن والماضي، في عملية التصويت، جيدا، بل جيدا جدا.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".