ماكرون.. رواية فرنسية أخرى

ماكرون.. رواية فرنسية أخرى

08 ديسمبر 2018
+ الخط -
يوم انتصر إيمانويل ماكرون في السباق الرئاسي الفرنسي، في ربيع 2017، توقع منه كثيرون، باعتباره رئيساً جديداً من خارج الأحزاب التقليدية التي حكمت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، أن يكون وجهاً فرنسياً ـ أوروبياً، ينقل القارة العجوز من مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991) إلى مرحلة جديدة، أساسها فرض رؤيةٍ أوروبيةٍ مستقلةٍ عن الولايات المتحدة، وبعيدة عن التأثر بالنفوذ الروسي أو الخشية منه. وساهم انتصار المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم في يوليو /تموز الماضي، مع لاعبين كثيرين متحدرين من جذور مهاجرة، في رفع أسهم ماكرون عالمياً، بعد التدهور الكبير أيام الرئيس السابق، فرانسوا هولاند. بعد عام ونيّف على انتخابه وستة أشهر على فوز بلاده، وجد ماكرون نفسه محاصراً في قلب العاصمة باريس، وفي قصر الإليزيه، مواجهاً مواطنيه الذين رأوا في موضوع فرض الضرائب على الوقود باباً للانتفاض عليه.
ربما تصحّ على ماكرون مقولة "من يصعد بسرعة يهبط بسرعة"، فصعوده السريع يواكبه حالياً هبوط سريع، خصوصاً أنه لم يراكم "إنجازات سابقة"، وهي نقطة سلبية له في أثناء عقد المقارنات بينه وبين الرئيس الراحل شارل ديغول، الذي وعلى الرغم من انتفاضة مايو/ أيار 1968 ضده، إلا أنه ظلّ في أذهان الفرنسيين "بطل التحرير من المحتلين الألمان في الحرب العالمية الثانية". أما ماكرون فلا يحمل في رصيده سوى مصطلح "حامي الأثرياء". الظروف المحيطة بالاتحاد الأوروبي وبفرنسا لا تطمئن ماكرون. بريطانيا، بقيادة تيريزا ماي، منهمكة في تمرير صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويوم الثلاثاء المقبل ستكون لندن مشغولة برلمانياً في إنهاء مسألة "بريكست" بشكل نهائي. وفي ألمانيا، يخبو العصر الذهبي للمستشارة أنجيلا ميركل التي انسحبت من قيادة حزبها (الديمقراطي المسيحي)، مكتفية بقيادة حكومة الائتلاف حتى عام 2021، في حال لم تحصل أزمة تدفع إلى التوجّه نحو انتخابات مبكرة تنتهي معها ميركل رسمياً. وقد تجد إيطاليا نفسها سعيدة بالضوضاء المحيطة بالاتحاد الأوروبي، لفرض شروطها أو الانسحاب منه.
في هذه المرحلة، يرتبط مصير ماكرون بما سيفعله اليوم السبت، فإما ينجح في المرور من زحمة التظاهرات والبقاء صامداً حتى نهاية ولايته عام 2022، بالاتفاق مع أحزابٍ محدّدة، أو سيواجه مصيراً قد يؤول إلى إطاحة الحكومة أو حتى استقالته هو بالذات. لم تعد فرنسا في مرحلة المعالجات الظرفية، وهو ما تبيّن، منتصف الأسبوع الحالي، فعلى الرغم من تراجع ماكرون عن الضرائب على الوقود، إلا أن "السترات الصفراء" مصرّة على المواجهة حتى النهاية، مع تقديمها، بالإضافة إلى مجموعات أخرى، أكثر من 40 طلباً، منها ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، وتغيير واسع النطاق لنظام الضرائب وخفض سن التقاعد. وكانت الحكومة قد أقرّت بوجود بعض المخاوف، في مؤشر على أنها قد تراجع "ضريبة الثروات" التي ألغيت بعد توليها السلطة. وسبق أن أظهر تحليل للموازنة الأصلية عن الفترة 2018 - 2019 استفادة الأغنياء أكثر من الفقراء.
عليه، تبدو فرنسا، واستطراداً أوروبا، أمام مرحلةٍ جديدة. دائماً ما يأتي تغيير الغرب العالمي من فرنسا، هكذا حصل إبّان الثورة الفرنسية (1789 ـ 1799)، وهكذا حصل في تظاهرات 1968، وما يمكن أن يحصل في فرنسا سيؤدي إلى تدحرج كرة الثلج إلى مختلف دول الغرب الأوروبي، تحديداً في الشق الاقتصادي. ومن الطبيعي أن يتأثر المهاجرون، القدامى منهم والجدد، والطلاب الأجانب، بالمرحلة الجديدة. ليس أمراً سهلاً مواجهة متظاهرين بهذه الكثافة والحدّة بالنسبة لماكرون، في ظلّ أعمال شغب واسعة النطاق. لم تعد المسألة الفرنسية مرتبطة ببلاد محددة، بل سينعكس تأثيرها على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في العالم. صنعت فرنسا نفسها نابوليون بونابرت وديغول وفرنسا نفسها دمّرتهما، وماكرون لا يختلف عنهما بشيء.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".