الانسحاب من مجلس التعاون.. خطأ

الانسحاب من مجلس التعاون.. خطأ

08 ديسمبر 2018
+ الخط -
تناقلت وكالات الأنباء، على نطاق واسع، يوم الثلاثاء الماضي (4 ديسمبر/ كانون الأول الجاري) نبأ تلقي أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، دعوة من العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، للمشاركة في القمة الخليجية المقرّرة في الرياض غدا الأحد، تسلمها في الدوحة وزير الدولة للشؤون الخارجية، سلطان المريخي، من أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبد اللطيف الزياني، وهي المرة الأولى منذ نشوب الأزمة الخليجية في يونيو/ حزيران 2017 التي تشهد تواصلا مباشرا بين القيادتين السعودية والقطرية، بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه أمير قطر بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في 8 سبتمبر/ أيلول 2017، وقد أثار هذا التواصل اهتمام مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل.
وكانت دولة قطر قد شاركت ممثلة بالأمير، في القمة الخليجية السابقة التي استضافتها الكويت في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، بينما عمدت بقية الدول الخليجية، باستثناء البلد المضيف، إلى تخفيض مستوى تمثيلها. وقد جاءت دعوة قطر للمشاركة في القمة الخليجية المرتقبة، في غمرة الاهتمام بالقرار القطري الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك، والذي حمل ظلالا سياسية تتعلق بتداعيات الأزمة الخليجية، حيث جرت أحاديث قطرية عن تحكّم طرف واحد في قرارات المنظمة. إلا أن التطور الأكثر أهمية بعدئذ هو ما بثه موقع الجزيرة نت مساء الأربعاء الماضي من إيحاءات وتلميحات قوية عن انسحاب محتمل لدولة قطر من مجلس التعاون الخليجي، وقطر هي إحدى الدول المؤسسة لهذا التكتل الخليجي في عام 1981، واظبت على حضور جميع اجتماعاته على مختلف مستوياتها. وجاءت هذه التلميحات عقب تصريحات رسمية قطرية عن الضعف الذي اعترى مجلس التعاون منذ نشوب الأزمة الخليجية، والإخفاق الذي مني به. وكان لافتا أن الإيحاءات ربطت بين الانسحاب القطري من "أوبك" وانسحاب آخر محتمل من مجلس التعاون الخليجي.
وإذا صحت هذه الأنباء (لم تتخذ صيغة قاطعة، ولم تستند إلى مصار رسمية صريحة)، والتي 
استندت إلى تقرير توقعات لموقع بلومبيرغ الأميركي، فإنها سوف تشكل تطورا مثيرا، فسوف تكون هذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها دولة عضو من هذا التكتل الإقليمي الذي يقترب من إكمال العقد الرابع من عمره. ويمثل المجلس الخليجي، كحال منظمات إقليمية، إرادة أعضائه. وكان من "الطبيعي" أن تنعكس عليه الأزمة الخليجية، وأن يبدو عاجزا ومشلولا عن الإسهام في حل هذه الأزمة، وخصوصا أن هذا المجلس لا يتوفر على هيئةٍ تمتلك آلية لمعالجة النزاعات البينية. وهذه بالطبع من أوجه القصور "البنيوية" في تكوين المجلس، فالنزاعات يجري حلها بالوساطات أو بصورة ثنائية مباشرة، أو بالتحكيم الدولي وهو ما جرى مرة واحدة بين قطر والبحرين حول جزر حوار وفشت الدبل.
وأمام هذا التطور (ما زال في دائرة الاحتمال فحسب)، حتى ساعة كتابة هذا المقال، فإن المرء لا يملك سوى الأمل بأن لا يكون هذا الأمر صحيحا، فمجلس التعاون، على الرغم من قصوره، هو الكتلة العربية الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة، خلال أربعة عقود، وقد تعززت صورة الخليج (جزءا لا يتجزأ من العالم العربي) ومكانته، في المحافل الإقليمية والدولية مع نشأة هذا المجلس واستمراره. وانسحاب أية دولة منه سوف يهز صورته، وقد يهدّده بالتفكك لاحقا، وهو ما لا يرجوه أحد للمجلس. وواقع الحال أن المآخذ على المجلس لم تمنع تواصل انعقاد لقاءات أركان الدفاع للدول الست. والمآخذ تجد شبها لها مع التحفظات على أداء جامعة الدول العربية ودورها، وحتى مع المنظمة الدولية (الأمم المتحدة)، لكن الخروج من البيت لا يؤدي إلى إصلاح عيوبه، خصوصا إذا لم يكن هناك بيت بديل يفي بالغرض. تعيش الجامعة في غياب وغيبوبة، ومع ذلك لم يفكر أحدٌ من الأعضاء بعد بالانسحاب منها.
ولا يبدو الربط بين الخروج من منظمة أوبك وانسحاب محتمل من مجلس التعاون موفقاً، فتلك 
منظمة اقتصادية، كما يدل اسمها، منظمة الدول المصدرة للنفط، وتجمع في عضويتها بين دولٍ لا يربطها رابط آخر، مثل الأرجنتين وجنوب أفريقيا ونيجيريا وروسيا. وليست هذه المنظمة ذات دور سياسي بالمعنى المباشر، ولا بالضمني (من دون أن يعني ذلك الفصل بين الاقتصاد والسياسة)، وقد جاء القرار الأميركي، على سبيل المثال، وقف استيراد النفط الإيراني، ودعوة دول العالم للأخذ به، من خارج "أوبك". خلافا لمجلس التعاون الذي يمثل كتلة إقليمية ذات أهداف شاملة، وبأفق تكاملي اتحادي بين دول أعضائه الست. ويثير الاستغراب الربط بين الانسحاب الرسمي من "أوبك" وانسحاب محتمل من مجلس التعاون، إذ يثير هذا الربط انطباعاً بأن الانسحاب من أركان سياسة الدوحة الخارجية! وتدل وقائع السياسة الخارجية ومجرياتها لدولة قطر أن الأمر على خلاف ذلك. وقد بدا الانسحاب من "أوبك" استثنائيا، وفاجأ الجميع في العالم، ولم يجر تفسيره أنه يعكس سياسة انسحاب دائمة، ومتوقعة!
وخلال ذلك، من الملحوظ أن دولة الكويت تواصل مبادرتها لحل الأزمة الخليجية، وإن لم تحقق حتى تاريخه نتيجة ملموسة. والكويت دولة عضو في المجلس، بل هي من أطلق مبادرة إنشاء مجلس التعاون أواخر سبعينيات القرن الماضي، وقد رأت في الأزمة الخليجية إضعافا لمجلس التعاون، وللروابط الخليجية معا، وقبل أسابيع (9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي)، تحدث مسؤول كويتي رفيع، هو نائب وزير الخارجية، خالد الجارالله، عن "وجود رؤية إيجابية لاحتواء الخلاف الخليجي". فيما تسلم أمير دولة قطر، الاثنين (3 ديسمبر) رسالة خطية من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، حملها إلى الدوحة نائب وزير شؤون الديوان الأميري محمد العبد الله الصباح، بما يشي بحراك كويتي متواصل بخصوص المبادرة لحل الأزمة، عشية القمة الخليجية التاسعة والثلاثين المقرّرة في الرياض. وعليه، يتمنى المرء رؤية الشيخ تميم في قمة الرياض، ورؤية الملك سلمان بن عبد العزيز في الدوحة، ولا يتمنّى (ولا يُصدّق!) انسحابا محتملا لأي دولة خليجية من عضوية مجلس التعاون.