جون آدمز وخاشقجي

جون آدمز وخاشقجي

07 ديسمبر 2018
+ الخط -
دشن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، مركز اعتدال لمكافحة التطرف والإرهاب، في الرياض في مايو/ أيار 21 /5/2017. ومنذ ذلك الوقت، لم نسمع بنشاط أو فاعلية لهذا المركز الذي كلف مليارات من الدولارات.
بعد التأكد من قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول، حاول النظام السعودي التنصل من المعلومات المتدحرجة لإيجاد مخرج وامتصاص الرأي العام؛ والتشاور مع الولايات المتحدة الأميركية، وطلب النصيحة والمساعدة؛ حيث استغرق ذلك 18 يوماً من بداية ظهور أول الحقائق والقرائن.
شلالات من التصريحات والأقاويل لا يمكن حصرها وذكرها، لكن الثابت والمؤكد، ارتباك النظام السعودي برمته، وهذا ما جعله يهرب إلى الأمام، بسلسلة من الإجراءات على المستويين، الداخلي والخارجي، وخطاب الملك سلمان بن عبد العزيز أقوى الأدلة على ذلك، حيث لم يستطع التطرق للجريمة، ولو ببنت شفة، ليؤكد على حجم الارتباك والفوضى داخل البيت الملكي.
الطريق الوحيد للهروب والتنصل من الجريمة واضح، ولا يحتاج للقدح على زناد الفكر ولا البحث في بطون الكتب. وأعتقد أن لمساته الأخيرة انتهت، فالحل يكمن باعتراف ولي العهد، محمد بن سلمان، بقيادته العملية؛ ولكن ثمة من تجرأ على الانحراف بالتعليمات وأخذها إلى مستوى القتل والتنكيل، وهؤلاء تمّ القبض عليهم، ويتم تحفيظهم السيناريو الأخير من المسلسل الدامي.
تحاول الولايات المتحدة جاهدة عدم ذكر ولي العهد السعودي، بعد أن سحبت من التداول الكلامي اسم الملك سلمان، وهذا لم يمر من دون المبالغ الخيالية، فالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قال في آخر تصريحاته: "إن قضية خاشقجي أصبحت أكبر من حجمها"، لأن واشنطن محرجة من تداعيات الأزمة، وعليها أن تمارس أكبر قدر من الحزم تجاه من يدفع بالأمور لإيصالها إلى الطريق الصحيح، أي المحاسبة والجزاء.
ثمة بوادر أزمة تلوح في الأفق بين النظام السعودي وتركيا، لأن أنقرة في حالة حرج كبير أيضاً، لأن الجريمة وقعت على أرضها، وبالتالي مضطرة للمضي في تقديم القرائن والحقائق للشعب التركي أولاً والعالم ثانياً.
يقول الرئيس الثاني للولايات المتحدة، جون آدامز، "الحقائق دائماً تكون عنيدة"، وبالتالي مهما حاول النظام السعودي وواشنطن الالتفاف على الجريمة، وحصرها بأشخاص ككبش فداء، ستبقى العملية مقترنة باسم ولي العهد، ولا تريد الابتعاد عن بصماته، وواشنطن مستفيدة من ذلك، لاعتبارات الابتزاز والاستثمار فيها إلى آخر المطاف، فهي أمام خيارين: إما أن تبقى تدافع عن ولي العهد السعودي وإخراجه من المسؤولية كالشعرة من العجين، أو أن تضغط على الملك بإصدار أمر ملكي لتنحية محمد بن سلمان عن ولاية العهد. وهذا مستبعد، لأن ولي العهد صمام الأمان لـ "صفقة القرن" الموقعة في واشنطن، وترامب لا يعنيه أبداً مقتل خاشقجي، بقدر ما تعنيه التدفقات المالية الهائلة التي ستنهال عليه لقاء وقوفه الحازم مع ولي عهد السعودية، الملك المنتظر إلى آخر قطرة نفط ودم.
جاءت قمة العشرين في الأرجنتين فرصة سانحة لإثبات أن الأمور تسير وفق ما خططته واشنطن، فانبرى محمد بن سلمان لتمثيل المملكة، محاولاً خداع العالم بابتساماته ونقاشاته الجانبية مع الرؤساء والمسؤولين، حيث كانت ابتساماته في الغالب تصنعاً وتمثيلاً وقفزاً فوق الأزمة، وحتى تكتمل الأمور التمثيلية على أكمل وجه، أكمل بن سلمان زياراته المكوكية إلى بعض الدول العربية لتوقيع بعض المعاهدات والاتفاقيات، بالرغم من الفتور الذي لقيه من بعض المواطنين في الدول التي زارها.
على منوال التطبيع، وفي محاولة لاسترضاء الكيان الصهيوني، تغزل الرياض خيوطها، فالكيان الصهيوني، وبمباركة سعودية يضع جدولاً لزياراته المقبلة، والتي بدأت من عُمان والبحرين في ثاني الزيارات المؤكدة، ومن ثم السودان التي تمهد لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أراضيها في الأسابيع المقبلة في اختراق سافر للجسد العربي.
والمتابع للقضايا العربية، وخصوصا القضية الفلسطينية، يلاحظ أن القضية الفلسطينية لم تعد ذات أهمية لدى بعض الدول الخليجية، وفي مقدمها السعودية، حيث لم تذكر أية مبادرات أو الإعلان عن الموقف النهائي من الكيان الصهيوني الذي يقتل ويقصف ويشرد ويمارس أبشع أنواع التنكيل بحق الفلسطينيين، سواءً في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، ويتم ذلك بالتزامن مع الأخبار التي تأتي من إسرائيل على أن بعض الدول العربية تريد فتح علاقات معها وطي صفحة الماضي والقبول بها دولة في قلب الوطن العربي.
إن العّراب الحقيقي لهذا التطبيع يوجد في الرياض وأبو ظبي، والمشروع يسير على قدم وساق، وشمال أفريقيا وبعض الدول الفقيرة تهرول بهذا الاتجاه لمد يد التعاون مع الكيان الصهيوني، وفتح السفارات والعمل ضمن الرؤية الصهيونية التي تكسب مع شروق شمس كل يوم، وهذه الهرولة هي ما تخرج نتنياهو من أزمته الحقيقية من فساد وتلاعب باقتصاد الكيان الصهيوني.
لم يعد يخفى على أحد أن التطبيع ستكتمل دائرته، عندما يزور نتنياهو الرياض على رأس وفد يضم الخبراء السياسيين والاقتصاديين، لأن المشاريع المزمع قيامها وتنفيذها يتطلب من كل الدول العمل بمقتضاها، وإسرائيل تعتبر بنظر الرياض وأبو ظبي دولة شرعية. وبالتالي، فإن زجها في المشاريع العربية العربية يخدم الاقتصاد العالمي ومنطقة الشرق الأوسط بالتحديد، كما ورد في تفصيلات صفقة القرن.
إذا كانت صفقة القرن بدأت بجريمة وحشية غير مسبوقة يتم التغاضي عنها، فقادم الأيام أعظم، حيث سنكون أمام مفاجآت كثيرة ستصدم العالم.
محمد عياش
محمد عياش
محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني، يؤمن بمقولة "من طلب الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
محمد عياش