عن حل المجلس التشريعي الفلسطيني

عن حل المجلس التشريعي الفلسطيني

01 يناير 2019
+ الخط -
السجال الناشب بين النخب والفصائل الفلسطينية بشأن شرعية حل المجلس التشريعي من عدمه، وما يتخلل هذا السجال من هجماتٍ كلاميةٍ خارجةٍ عن مألوف أدبيات الخلاف السياسي، من المقدّر له أن يحتدّ أكثر في المستقبل المنظور، في ظل حالة الاستقطاب السياسي المتصاعد، خصوصاً عندما تبدأ إجراءات العملية الانتخابية، ويتم تنصيب مجلسٍ جديد، قد يجري افتتاحه بحضور ممثلين عن برلماناتٍ عربيةٍ ودوليةٍ، لإضفاء شرعية إضافية على المجلس الجديد.
ومع ذلك، لن تغيّر هذه العملية المؤجلة طويلاً الواقع السياسي القائم في المدى المنظور، ولن تحلّ الأزمة المستعصية، إن لم تزدها تعقيداً، وربما تفضي بها إلى نقطة اللاعودة، والقطيعة التامة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث سيبقى الانقسام على حاله، وقد يتحوّل إلى انفصال غير معلن، وتنتهي حوارات المصالحة المملة، ويصبح الحديث عن الشراكة لغواً، فيما يستمر خلاله المجلس المنحل في عقد اجتماعاته من دون نصابٍ كامل، وإصدار قراراتٍ بلا فاعلية.
على هذه الخلفية، ستتجنّب هذه المساهمة الدخول على خط السجال المحتدم، حول ما إذا كان حل المجلس قانونياً أم سياسياً، وستترفع شكلاً ومضموناً عن اللغة الاتهامية الهابطة، كي تذهب مباشرة إلى إجراء عملية تشخيصٍ لبواطن الأزمة، ووضع اليد على أسباب استفحالها، وهي أسبابٌ كثيرة، أهمها على الإطلاق كامن في الاستسلام لفرضيةٍ مفادها بأنه يمكن الاحتكام إلى نهج ديمقراطي، وإجراء تداول سلمي للسلطة، مع وجود السلاح بين أيدي القوى المختلفة.
هناك فيضٌ من الدلائل، وعددٌ لا يُحصى من التجارب، على استحالة الأخذ بالنهج الديمقراطي تحت ظلال البنادق، إذ كلما كانت القوى والأحزاب مسلحة كانت نزعتها إلى صناديق الرصاص أشدّ من ميلها لصناديق الاقتراع. وأكثر من ذلك، فإذا أتت نتائج عملية الانتخابات على غير هوى هذا الفصيل أو ذاك، فإنه يعمل على التشكيك بنزاهتها، ثم يطعن بصحتها، وإذا لم ينجح في ذلك يعمد إلى الاستقواء بسلاحه، ويعطل العملية كلها، إلى أن يستجيب الشركاء لمنطق القوة المجرّدة.
صحيح أن الحالة الفلسطينية مختلفة عما هو سائد في حالاتٍ عربيةٍ مشابهة، حيث هنا السلاح مطلوبٌ في حدّ ذاته، ولا يمكن إسقاطه من حساب حركة تحرّر وطني كرمى لعيون العملية الديمقراطية، كون الحرية تتقدّم دائماً على ما عداها، إلا أن منطق القوة العسكرية، في داخل الداخل، هو المنطق نفسه في أي ساحة. ومع ذلك، لا تستقيم، فلسطينياً، هذه المعادلة الصعبة، فهنا تقع المفارقة، وهنا تكمن الإشكالية التي يشقّ حلها على جميع المتورّطين بهذه اللعبة.
لنأخذ مثلاً على ذلك الحالة العراقية، وإذا لم تكن هذه متطابقةً مع الحالة الفلسطينية، فلنأخذ الحالة الليبية أو اليمنية، وإذا كانت كل هذه النماذج غير مناسبة، فعلينا الاعتبار بالحالة اللبنانية، حيث تجرى انتخاباتٌ برلمانيةٌ وفق الأصول المرعية، وتتقاسم القوى والأحزاب مقاعد البرلمان بصورة عادلة، إلا أن منطق السلاح هو الذي يفرض نفسه دائماً، تارة باسم الديمقراطية التوافقية، وطوراً باسم الميثاقية، إلى أن يستقيم الأمر كله لصالح الطرف المدجج بالقوة.
ولعل التعارض بين لغة السلاح ولعبة الديمقراطية هو أشد التجارب وضوحاً، وأكثرها مدعاةً للتبصر والاستفادة من العبر المفيدة، على الأقل منذ وقع الانقسام قبل اثني عشر عاماً، لم يتم في غضونها الاحتكام إلى القانون أو الدستور مرة، ولم تحترم إبّانها أي من القرارات الرئاسية في رام الله، ناهيك عن عبثية إصدار القرارات التشريعية من غزة، وذلك كله جرّاء التمسّك بمنطق السلاح، أي بمنطق القوة، لا بقوة المنطق.
إزاء ذلك، فإن النقاش ينبغي أن يدور في مطرح آخر، وبالتالي الكفّ عن كل هذا السجال العبثي حول حل المجلس التشريعي، والتوجّه على الفور إلى إعادة فحص صحة فرضية إجراء انتخابات ديمقراطية تحت حراب الاحتلال، وترتيب الأجندة الوطنية وفق أكثر الأولويات إلحاحيةً، ومن ثمة الاقتداء بالثورتين؛ الجزائرية والفيتنامية، الملهمتين لحركة التحرّر الفلسطينية، وهما اللتان لم تجريا انتخاباتٍ كهذه، خارج نطاق الشرعية الثورية.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي