عبارات مضحكة

عبارات مضحكة

30 ديسمبر 2018

(محمود شيخاني)

+ الخط -
"الحمد لله على نعمة الشيوعية"، مثلاً، عبارة مضحكة، لأن النتيجة فيها "نعمة الشيوعية" تأتي غير منسجمة مع مقدمتها "الحمد لله".. وهي مضحكة، كذلك، لأن الشيوعيين مُتَّهَمُون بالإلحاد، فكيف، ولماذا، وعلامَ يحمدون الله تعالى؟ 
في هذا السياق، رُوِيَتْ طرفة جرت أحداثُها في سنة 1963، أي بعد انقلاب حزب البعث الذي أطلقوا عليه اسم "ثورة الثامن من آذار". تقول الطرفة إن مواطناً من الأردن الشقيق كان قادماً إلى دمشق، لزيارة بعض أقاربه، ويبدو أن رجال الأمن العام السوري اشتبهوا بأنه خطير على أمن سورية، فأنزلوه من حافلة الركاب بقسوة، واحتجزوه للتحقيق. وكانت ثورة آذار تطرح في خطابها الإعلامي، مصطلحات من قبيل: التقدمية، الاشتراكية، الصراع الطبقي، ثورة العمال والفلاحين، فتشكلت لدى الرجل الأردني قناعة مفادُها بأن الحكم في سورية قد أصبح شيوعياً. ولدى سؤاله، في التحقيق، عن توجهه السياسي، أراد أن يسترضيَهم، من دون أن يزعل منه الملك حسين، فقال: آني شيوعي من حزب جلالة الملك.
كانت لصديقي الراحل، أبو الجود، طريقةٌ مضحكة في التعليق على ما يجري معه من أحداث. ذات مرة، كان يعبر قرب شباك جيرانه من آل الفلاني، وكان لدى هذه الأسرة فتى مجنون خطير اسمه فلان، اضطر أبوه لأن يحبسه في غرفةٍ تطل على الزقاق. ومن باب الاحتياط، صنعَ لنافذته شِبَاكاً حديدياً مصفحاً، لأنه، لو تمكن من القفز إلى الزقاق، لارتكب أعمالاً أقل ما يقال فيها إنها إرهابية. قال فلان لأبي الجود، من خلال الشباك المعدني: بتعرف يا جاري أبو الجود؟ جاي على بالي أضربك كفين، لكن هلق ماني فاضي. فرد عليه أبو الجود بمنتهى الجدية: واضح أنك مشغول يا سيد فلان، على كل حال أنا عندي فكرة. قَرَّبَ فلان المجنون وجهه حتى التصق بالشباك المعدني، وقال باهتمام: أيش هي فكرتك؟ قال أبو الجود: تابع الأعمال المهمة اللي شاغلتك، وبمجرّد ما تنتهي منها ابعت لي خبر، وأنا بجي لهون فوراً وبتضربني الكفّين.
وكان لأبي الجود جارٌ آخر، مستبد بكل معاني الكلمة، اسمه عَلَّان. عندما يتحدث أبو الجود عن علان يقول: واحد سافل. يوم مات أبوه جلس مع أشقائه وشقيقاته لتقاسم التركة، وصار يهدّدهم، ويتوعدهم، ويضغط عليهم، حتى تمكّن من سلبهم القسم الأكبر من حصصهم الإرثية، وكان بعد ذلك يجلس بين الناس، بحضور أشقائه، ويزعم أنه تنازل عن حصته لإخوته وأخواته، لأنه غير محتاج، والحمد لله، بينما هم مساكين يستحقون الصدقة، ولم يكن أحدٌ منهم يُكَذِّبه، خوفاً من جبروته وبطشه. وحينما تزوّج وصار عنده أولاد، ما برحت شخصيته الاستبدادية تتطوّر وتتقدم. وفي يوم من الأيام، جاءته وشاية كاذبة عن ابنته الكبرى، وسرعان ما ارتكب بها جريمة قتل، وبدلاً من أن يمشي مطاطئَ الرأس، باعتباره مجرماً، كان يمشي، بعد خروجه من السجن مطنباً، وقد عَلَّق فوق غطاء رأسه وردةً حمراء.
يوم توفي السيد عبد الجواد، والدُ أبي الجود، جاء عَلَّان لتعزيته، وبعد أن قرأ الفاتحة في مجلس العزاء، ومسح وجهه بكفّيه، لكي يكسب ثوابها، قال: صدقني، يا جاري أبو الجود، كتير انقهرت على والدك. فتمتم أبو الجود بينه وبين نفسه: من حسن الحظ أن والدي مات، حتى انقهرت، يا واطي.
وكان أحد الرجال الحكماء من أهل إحدى القرى الجبلية جالساً في الفرقة الحزبية، عشية التحضير لاحتفالات جماهيرية ستُقام في ذكرى انقلاب حافظ الأسد الذي أسموه "الحركة التصحيحية"، فتناهى إلى سمعه النشيد الذي يحفظه الرفاق: بدنا نحرّر فلسطين، بدنا نحرّر الجولان.. وبعد قليل صاح أحدهم: وبدنا نحرر اللواء.. وإذا بهذا الرجل الحكيم يخرج عن صمته ويقول: أيش رأيكم، يا رفاق، نوزع العمل بيننا. أنتم حرّروا فلسطين والجولان، وأنا بحرّر اللواء.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...