خطاب يكره الذات

خطاب يكره الذات

26 ديسمبر 2018
+ الخط -
بين دفتي الكتاب، غلافه الأول يحمل رسماً لمنشار آلي، والغلاف الثاني لسكين حاد. وفي وسط الكتاب، دم وقتل وسفك واغتصاب. عنوان الكتاب العنف، عنف استوطن الواقع العربي، لينفجر بدلالات أكثر عنفا وأشد إيلاما. كنا نحسب أن العنف قد غادرنا بعد إصلاحاتٍ سياسيةِ واجتماعية واقتصادية كبرى، ومع ندوات ومحاضرات ولقاءات ومراجعات فكرية تبناها من كانوا يؤمنون بالعنف وسيلة لإحداث التغيير.
وفعلاً، تم الإنصات لهموم أشخاصٍ عانوا من التوجيه الفكري والتأطير الأيديولوجي الدخيل، بل خرج مئات من نشطاء السلفية الجهادية يلعنون ذلك اليوم الذي استمعوا فيه لأشرطة الكراهية، وبث الرعب بين الناس.
حالة العنيف المستمتع بهول القراءة الخاطئة للتراث الديني تجعله دائماً في حالة هذيان وهيجان لن يتوقف إلا بعد الاستجابة العمياء لإفتاء شيخ فاسد الرأي، متعالٍ، خسر التكيف مع الواقع، فتأمل فيه، فوجد أن لا سبيل للوجود إلا ببث لغة الكراهية والقتل بين الناس.
ما حدث في بلاد الحوز قرب مراكش الحمراء دليل على استيطان فكرة العنف الأعمى في عقول شبابٍ كثيرٍ طائش يبحث عن إشباع رغبات متصارعة، تتنافى الاستجابة لها مع ما هو شرعي عقلي منطقي واقعي.
شباب طائش تسكنه أكثر من فكرة بين طهرانية إيمانية تتصادم مع رغبات شهوانية حيوانية، آلتها القتل، وقبل ذلك الاغتصاب والسرقة. فهل نحن مع نسخة عصرية لطائفة الحشاشين، أو الحشاشين، كما في كتاب لبرنارد لويس؟
ما يجمع طائفة الحشاشين بهؤلاء القتلة الجدد التعطش للدم والترويع، والتصادم مع الآخر، لمجرد الاختلاف البسيط. وفي زمن التواصل والانفتاح، يظل الإرهابي العصري أكثر تشنجاً وممارسة لنوع من التشيطن الرافض للآخر، محلياً كان، أم أجنبياً من ثقافة مخالفة. ويظل كذلك عنيفاً مع ذاته، فهو لن يتساهل مع ذويه في تحاملٍ مطلق، وتعبير قاس عن اختلافه الذي يثير فيه ضغينة وكراهية للمجتمع تصل حد الانفصال عنه.
تتجذر فكرة العنف الأعمى في مجتمعاتنا العربية ـ الإسلامية، ولا علاقة لخطاب الكراهية بالمقدس الديني عندنا، فالإسلام ليس هو المنشار الذي قطع جسد الصحفي جمال خاشقجي. وليس القرآن الكريم من أمر شاباً عنيفاً فاقداً للوعي، لكي يقتل فتاة بريئة، بل خطاب الكراهية متأصل في الخطاب السياسي، عندما ترسل الدولة جهازاً رسمياً للفتك بصحفي أعزل، لا يملك إلا سلاح المداد. ويتأصل خطاب الكراهية في نفوس بغيضة افتقرت إلى تعليم ناضج، وعالم ناصح، وفقيه واقعي، وتربية سليمة، وواقع لا يرحم المعنف.
الإرهاب مدان، وما وقع في بلاد الحوز، قرب مراكش، يدين بشدة أفكار الكراهية التي يحاول المعنفون إيجاد موقع لها في بلاد المغرب الأقصى، تلك البلاد التي لم تعرف إلا باستقبال المخالف، والتسامح والتساهل. ومن يعرف المغاربة سيعرف جيداً أن هذا الشعب يجيد لغة المحبة وقبول الآخر.
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
محمد الأغظف بوية (المغرب)
محمد الأغظف بوية (المغرب)