حماس بعد 31 عاماً

حماس بعد 31 عاماً

25 ديسمبر 2018
+ الخط -
إذا كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعمل لتحقيق الهدف الاستراتيجي، وليس المرحلي، أي تحرير فلسطين من رفح إلى الناقورة، وليس هدفها الصراع على سلطة أو حكومة أو دويلة في حدود 1967، فذلك يتطلب وضع سياسة وخطط وتكتيكات مختلفة تماما.
على سبيل المثال، يقع على عاتق "حماس" العمل على مد أذرعها القوية إلى مختلف الساحات الفلسطينية في الداخل والخارج لتحقيق جبهة عريضة من قوى المقاومة؛ والانشغال بتشكيل هذه الجبهة عن الخلافات والاختلافات، وعدم إشغال الساحة بالخلاف مع غير طرفٍ في الساحة الفلسطينية، مثل خلافها مع حركة فتح على التسليم بنتائج انتخابات 2006 التي فازت فيها بأغلبية مفاجئة لها، لتكتشف أن هذا الفوز كان معدّا ليكون فخا لها للسقوط في وحل الخلاف والاختلاف، ثم الصدام فالانقسام الذي دام اثني عشر عاما على التوالي، ليترك ندوبا غائرة على الواقع الفلسطيني يصعب محوها.
سيكون لتشكيل جبهة مقاومة عريضة بالغ الأثر في توجيه بوصلة الأمة نحو ما يوحدها (فلسطين والأقصى) والحيلولة دون نجاح العدو في حرف هذه البوصلة، ومنعه كذلك من تعزيز احتلاله على الأرض، بعزل غزة وابتلاع الضفة الغربية، والعمل على منع العدو من امتطاء صهوة الخلافات العربية، وقطع أذرعه التي تحاول اختراق كل الجبهات العربية، تنسيقا وتطبيعا، والعمل على تعزيز دعوات المقاطعة في مقابل دعوات التعاون والتطبيع.
كما يشكل تشكيل جبهة مقاومة عريضة طوق نار مقاوم حول العدو، يحول دون تطويق المقاومة في غزة، ويعرقل مساعيه لصناعة مليشيا في الضفة المحتلة، على غرار مليشيا لحد في لبنان تحت يافطة براقة تحمل اسم السلطة الوطنية، ليكون همها الوحيد حماية الاحتلال ومغتصبيه، وملاحقة المقاومة وحظرها ومصادرة سلاحها.
ويقع على عاتق حماس إيجاد توازن دولي في العلاقة بين المقاومة والاحتلال، عبر إنجاز اختراقات دبلوماسية في العلاقة مع دول كثيرة ذات البيئة المواتية، كدول أميركا اللاتينية مثلا، كحركة مقاومة مشروعة، واجبها فتح علاقات دولية موسعة مع الدول الإقليمية والدولية، لضرب منظومة الاحتلال الدولية، وعدم الاكتفاء بعلاقاتها المتذبذبة بين القوة والضعف مع بعض القوى والدول، كقطر وإيران وتركيا، أو المراوحة في المكان في علاقتها مع القاهرة التي ترفض مغادرة مربع الاستخدام والتوظيف الأمني مع النأي عن الأبعاد السياسية.
وكحركة مقاومة ذات عمق شعبي طاغ في العالم العربي والإسلامي، على حماس نسج علاقات تعاون وثيق مع مختلف القوى والأحزاب في العالم، فهي يوما ما ستصل إلى السلطة، والعمل كذلك على تعزيز علاقاتها بمختلف القوى ذات التأثير والعمق الشعبي حول العالم.
تحتاج قراءة الواقع الإقليمي والدولي مهارة كبيرة، يقع على حركة حماس توفيرها لكوادرها عبر التدريب الملزم، لجهة التعايش معه، مع عدم المساس بثوابتها ومنطلقاتها، حتى يستطيعوا تعزيز بناء شراكات وتحالفات دولية عادلة بينها وبين بعض الدول والأحزاب المؤمنة بالحق الفلسطيني، فضلا عن تعزيز نشاطات حركات المقاطعة ومقاومة التطبيع ودعمها، الأمر الذي يلزمه بناء شبكات للتعاون مع الحركات الشعبية الدولية، المناهضة للعنصرية والتمييز العنصري.
ويتطلب مشروع النهضة على الصعيد الدولي إعادة هيكلة للفريق الذي يقود العلاقات الدولية، لجهة توسيع قاعدته البشرية والمعلوماتية؛ ليصبح مؤسسة متينة وقوية بإمكاناته البشرية والمالية والفنية، حتى يتمكّن من تفعيل الوثيقة السياسية التي تنظم أداء الحركة، وتوحيد مصطلحاتها، وضبط سياستها وخطابها على صعيد علاقاتها الخارجية.
وللوصول إلى خطاب إعلامي وطني موحد، يخدم القضية الفلسطينية، ويعمل على التفاف الفصائل حول الرؤية التي تتبناها حركة حماس، لا بد من إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، باعتباره مشروعًا فلسطينيًا شاملًا لجميع التجمعات الفلسطينية، وذلك بالعمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمها، مرورا من بوابة إنهاء الانقسام بين أفراد الشعب، وتوحيد الصفوف، والشروع في إجراء حوار وطني جاد، يستهدف وضع برنامج عمل وطني؛ لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، ودحر الاحتلال، عبر تعزيز ثقافة حق العودة وتقرير المصير، وعبر تعزيز صمود أهالي مدينة القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية لتمكينهم من تطوير المقاومة وتعزيزها.
مشروع النهضة الفلسطينية الشاملة المفضية إلى التحرير يلزمه كذلك تطوير بناء نظرية أمنية حديثة، بما يتناسب مع التحديات المستقبلية، لتكون خطوة في طريق إنضاج نظرية أمنية شاملة، ضمن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.
نظرية أمنية تأخذ في الاعتبار توظيف مختلف الطاقات والإمكانات في مختلف الساحات، واستثمار التوزع الجغرافي الفلسطيني حول العالم لضرب المنظومة الأمنية والسياسية للعدو المحتل بما لا يمس بالعلاقة مع دول العالم.
حركة حماس بعد 31 عاما لم تعد حركة خاصة بمناصريها، أو قاصرة على الشعب الفلسطيني، بل باتت الأمل الوحيد للأمة وسط هذا الظلام المترامي الأطراف، وعليها التعامل مع ذاتها أولا، ثم مع غيرها على هذا الأساس لجهة فتح صدرها للجميع بلا استثناء ثقافة وحوارا، ثم استيعابا فتأطيرا فنظما في عقد التحرير.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)