أميركا وداعش الذي لم ينته بعد

أميركا وداعش الذي لم ينته بعد

23 ديسمبر 2018
+ الخط -
يفاجئ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وزراءه ومساعديه وكل العالم، بقرار استراتيجي جديد، يتعلق بسحب قوات بلاده من سورية، معتبراً أن "الأهداف من تمركز القوات المسلحة في سورية تم تحقيقها، وأن الحرب ضد المجموعة الإرهابية، كانت الهدف الوحيد من بقاء القوات الأميركية في سورية". ورداً على القرار الأميركي، أعلنت فرنسا وبريطانيا أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم ينته في سورية بعد. وعادت إسرائيل إلى التحذير من "خلق ممر شيعي بين طهران ودمشق"، فيما اعتبرت بريطانيا أن "داعش" لم يُهزم بعد في سورية، وقال ناطق باسم وزارة الخارجية إن "التحالف الدولي ضد داعش أحرز تقدما كبيراً، لكن لا يزال هناك الكثير من العمل، ويجب ألا نغفل عن التهديد الذي يشكله، حتى بدون أرض، لا يزال داعش يشكل تهديدا"، وهو موقف فرنسا، حيث قالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، إن "تنظيم الدولة الإسلامية لم يمح من على الخريطة، ولم تستأصل شأفته. ومن الضروري أن تواجه الجيوب الأخيرة لهذه المنظمة الإرهابية هزيمة عسكرية حاسمة".
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" أن "داعش" لا يزال قوة إرهابية قاتلة، وسردت هجماتٍ شنها مسلحو التنظيم فى سورية والعراق أخيرا، مستشهدة بأحد كبار المسؤولين الأمنيين في منطقة كردستان العراق، مسرور بارزاني، حيث أكد للصحيفة أن "الدواعش" يعيدون تنظيم أنفسهم، ويستعيدون نشاطهم، وأنه " من سورية وحتى الأنبار والموصل، نشهد عودة مقاتلي داعش، فعقيدتهم موجودة، ولا يزال لديهم أعداد كبيرة من التابعين".
ويرى المدير السابق للمدرسة الحربية الأميركية، الجنرال فنسان ديبورت، أن "المنظومة العسكرية بكاملها في التحالف تتمحور حول القوة الأميركية التي توفر، على وجه الخصوص، دعما مهما للغاية في مجال الاستخبارات والإسناد الناري، من دون هذا، سيكون صعبا للغاية التحرك، لا يمكن إنهاء العمل من خلال ما سيتبقى من التحالف". فيما تحدى السناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ " أي شخص يقول إن تنظيم داعش قد هُزم".

هناك إجماع أميركي وعالمي على سوء طريقة (وتوقيت) القرار الرئاسي الأميركي، ذاك أن واقع التنظيم الإرهابي "داعش"، في العراق وسورية، وحتى أفغانستان، لم يتغير كثيرا، وأن الجميع يعلم تحول عناصره من حالة القتال والمواجهة إلى حالة الانغماس في المجتمعات المحلية، والعمل بصيغة الخلايا النائمة، وهو ما يؤكّده عدم قدرة قوات التحالف والقوات المحلية للدول المبتلية بوجود هذا التنظيم على أراضيها، على إلقاء القبض على زعيم التنظيم وكثيرين من القياديين المهمين، وهو ما يثير استغراب شعوبٍ تعرّضت مدنها لدمار شبه شامل، بسبب الحرب على "داعش"، فيما لم يشهد مواطنو هذه المدن أيا من مقاتلي التنظيم أحياءً أو أمواتا، والموصل نموذجا.
يخطئ كثيرا من يظن أن الهدف الرئيس لتنظيم الدولة الإسلامية هو السيطرة على الأراضي والمدن، فهو وعلى الرغم من تضاؤل الأراضي التي تحت سيطرته، ما زال يتحكم بالقدرة على القيام بعمليات محدودة، لكنها ذات رسائل مباشرة لقوات التحالف والقوى المحلية، مفادها بأنه "موجود"، وموجود بصيغته المرعبة. وترى الاستخبارات العراقية والسورية أن التنظيم لا يزال قويا، ويمثل قوة قاتلة في أجزاء كبيرة من أراضيهما، ولديه كوادر قيادية ومقاتلون بأعداد لا يستهان بها، ومدربون جيدا، ومعبأون عقائديا بشكل راسخ وكامل، كما أن أوروبا والولايات المتحدة ما زالتا تعتبران تنظيم داعش الخطر الإرهابي الأول. ويجب ألا يُنسى أن عمليات التنظيم في مصر والمغرب وليبيا ومناطق كثيرة في الإقليم وسواه تمثل امتدادا لهيمنة قياداته وقدرتها على التحكم بالقوة البشرية التي تنتمي للتنظيم، كما تتمتع بقدراتٍ كبيرة في مجال المعلومات الاستخبارية، ونظم الاتصال والتواصل.
ربما سيُغطى الانسحاب الأميركي من روسيا وإيران وحتى إسرائيل التي لا تريد لفيلق القدس الإيراني الاقتراب من "حدودها"، لكن العبرة في الموقف الأميركي تكمن في إحراج الحلفاء، ووضعهم أمام موقفٍ فيه الكثير من المراجعة لسلوك واشنطن المنفرد في قضايا جمعية، تهم مصالح وأمن العالم كله.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن