المرحلة التالية

المرحلة التالية

22 ديسمبر 2018
+ الخط -
لم تفصح الناطقة باسم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن طبيعة "المرحلة التالية" التي ستترتب على قراره الانسحاب من سورية، بعد أن "ألحقنا الهزيمة بتنظيم داعش في سورية، التي كانت السبب الوحيد لوجودنا هناك"، كما قال في تسويغ قراره.
بدا القرار مباغتا، وغير مفهوم ولا منطقيا. اتخذ بصورة أحادية، ومن دون تنسيق مع أحد، وإلا كيف نفسر أقوال ممثل وزير الخارجية الأميركية، جيمس جيفري، قبل يومين، إن قوات بلاده باقية في سورية إلى أن يتم انتقال سياسي جذري، وتخرج إيران منها؟ هل كانت هذه التصريحات التي سبق أن أطلقها ترامب نفسه مجرد أكاذيب، أريدَ بها الضحك على الكرد، بحجة الحرب على الإرهاب، وبقية السوريين بالحديث عن الانتقال السياسي وإخراج إيران، ريثما يحين وقت التخلي عنهم كردا وعربا، بإعلان الانسحاب الذي كنت أعتبره ضربا من الاستحالة، لاعتقادي أنه أعطى واشنطن بديلا استراتيجيا فريدا للعراق، أخذته من دون خسائر تذكر، يتمتع بأهمية خاصة بالنسبة لمعركتها المزعومة مع إيران، وتجاذبها مع روسيا، وضغوطها على الأسدية، وتلاعبها بتركيا. لكن ترامب اتخذ قرار الانسحاب من منطقةٍ هذه صفاتها ووظائفها، إما لأنه عازم على إجراء تحول جذري في سياسات واشنطن الشرق أوسطية، بعد أن خربط النظام الدولي، من دون استشارة مؤسستيه السياسية والعسكرية، الأولى التي سارعت إلى التفاعل بإيجابية مع القرار، والثانية التي شعرت بأنها تلقت صفعة شديدة، لأنها كانت قد أعلنت تصميمها على البقاء في المنطقة من عشرين إلى ثلاثين عاما، واتسم موقفها من القرار بسخطٍ عبرت عنه كثافة الإمدادات العسكرية التي تدفقت البارحة واليوم على شرق الفرات من العراق، أو لأن ترامب أراد إثارة زوبعة خارجية، تحجب ما يواجهه من زوابع داخلية، بلغت حدودا تعزّز فرص إطاحته، أو جعل إعادة انتخابه ضربا من المحال، في ظل التقارب المتزايد والمتسارع بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي ضد شخصه وسياساته، ما دفعه إلى إعلان قراره من دون تنسيق أو تشاور مع أحد منهما، في خطأ إضافي لا يغتفر، يضاف إلى أخطائه الكثيرة، قد يتراجع عنه أو يتجاهله، أو لا يطلب من عسكر أميركا تنفيذه، لأنه كما كتب ديفيد أغناطيوس في "واشنطن بوست"، "يخلق فراغا يمكن أن يملأه مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية أو الروس والنظام السوري وإيران، أو تركيا، وهولاء جميعا يشكلون خطرا على المصالح الأميركية". أذكر، بهذه المناسبة، أن عسكر أميركا لم ينفذوا قرارات عديدة بالانسحاب من أفغانستان.
ما الذي يمكن أن يترتب على قرار ترامب، في حال تم تنفيذه؟ إنه باختصار ضربة قد تكون قاضية للنظامين، الإقليمي والدولي، كما نراهما اليوم في المنطقة العربية وجوارها، تضاف إلى ضربات ترامب المزلزلة للنظام الدولي، يرجّح أن توطد البيئة التي تحتاج إيران إليها لتبقى جاثمة على صدر المنطقة، ولتمكينها من إكمال سيطرتها على سورية، وتعزيز مواقعها فيها تجاه روسيا وتركيا وإسرائيل، مقابل تركها اليمن ومضيق باب المندب، وتصعيد صراعها على شرق الفرات مع تركيا التي أُعلن البارحة عن شرائها نظام دفاع جوي من واشنطن، فإن ضمت المنطقة إلى إدلب امتلكت 40% من مساحة سورية، وتعزّز احتمال نشوب حرب بين الدولتين، وإنْ بالواسطة، وإلا فرض الرئيس أردوغان إرادته، وتوطد دوره حيال روسيا والأسدية، وتبدلت حصص الجميع من الحل السوري، بينما ستصبح إسرائيل سيدة المنطقة، وستدمر فرص قيام كيان كردي.
هل ستنسحب واشنطن من شرق الفرات؟ هناك دلائل تؤكد هذا الاحتمال ونقيضه، تجعل من أيامنا ما قاله جيفري قبل أيام: لحظة فاصلة في تاريخ منطقتنا!
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.