لهجتنا ودارجتهم

لهجتنا ودارجتهم

21 ديسمبر 2018
+ الخط -
تعرفت على أحد الأخوة من إحدى الدول العربية المغاربية، وبعد أن وصلنا إلى مرحلة متقدّمة من سوء التفاهم، ما كان منه إلا أن سألني بالانجليزية الفصحى: "كان يو سبيك انجليش؟" قلت: "نو نو"، وأحسستُ حينها أنني في وسط نيويورك، أو في ولاية فرجينيا أمام تمثال البطل الأميركي الذي حرّر الأميركان من الانجليز السيد جورج واشنطن.
صاحبي هذا لم يفهم الكثير من كلامي بلهجتي "المحكيّة"، وأنا أيضاً لم أفهم "الدارجة" التي كان يتكلّم بها، لعبت الأيدي دوراً كبيراً في إيجاد نوع من التفاهم بيننا. ونظراً لأنه يتقن الفرنسيّة، وأنا لا أحب الانجليزية، لأنني لا أتقنها، ولا أعرف من الفرنسية سوى عدة كلمات مثل برج إيفل ونابليون بونابرت ومتحف لوفغ (هل لفظي للراء صحيح؟)... نظراً لهذا كله قرّرنا أن نلغي ألسنتنا المحليّة والانجليزية والفرنسية والروسيّة، ورحنا نتذكر ما تعلمناه في دروس القراءة، وما تستعمله وسائل الإعلام الحديثة من مصطلحات، وما حفظناه من أجدادنا، ولجأنا إلى اللغة العربيّة الفصحى.
كنت ألتقي به صباحاً وبشكلٍ لا شعوري أقول له: "السلامُ عليكم، كيفَ حالُك؟". وكان أي حديث يدور بيني وبينه يكفي لإضحاك الجميع، واللوم كله يقع على سيبويه، لأن الرجل تعب، وبذل الجهد الكبير ليخرج لنا بقواعد وألفاظ يضحك منها حتى المستغرق في نومه حالما يسمعها، كنا نتكلم بيننا بالعربيّة الفصحى.
لا تتسع للأمثلة مجلدات عن الاختلاف بين اللهجات، حتى ضمن البلد العربي الواحد، وأحياناً تختلف بين قرية، وأخرى مجاورة لها.
يعترض بعضهم بأن الفصحى تجعلنا رسميّين، وكأننا نعرف بعضنا لأول مرة، حتى أن صديق طفولتي يغضب دائماً عندما أكتب له عبر "المسنجر" بعض العبارات بالفصحى، فينبري قائلاً: "أنا أعز أصحابك ليش عم تحكي معي بالفصحى؟"، وآخرون يتّهمونها بأنها كلغة بعض كتّاب هذه الأيّام متقعّرة، وتحتاج إلى إنسان فصيح كي يصطاد ما يستطيع فهمه من مائها العكر، ومن بحرها بحر الظلمات.
اللغة العربية أصيلة، ومتجددة، ولا يغيظها أن نتكلم الانجليزية أو الألمانية أو التركية، ولا مشكلة لديها بحضور مفردات جديدة إليها مثل "التشييك" و"البوستات" (جمع بوست)، ولكن بعد أن نتفق في لهجاتنا على كلمة موحدة لاسم "قصاصة الأظافر".
05EEE2E6-26E4-45A5-961C-DB4D99A9E40B
05EEE2E6-26E4-45A5-961C-DB4D99A9E40B
محمود إبراهيم الحسن (سورية)
محمود إبراهيم الحسن (سورية)