غزة والاحتلال.. المعركة متواصلة

غزة والاحتلال.. المعركة متواصلة

03 ديسمبر 2018
+ الخط -
معركة أمنية متواصلة تدور في الخفاء بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، هذه المعركة الخفية التي تصاعدت وتيرتها منذ اكتشاف المقاومة وحدة استخبارية إسرائيلية في أثناء محاولتها تنفيذ عملية أمنية معقدة في عمق غزة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ما أدى إلى اشتباك مسلح، قُتل خلاله قائد الوحدة الإسرائيلية، وارتقى سبعة مقاومين شهداء، قبل أن يعلن جيش الاحتلال تمكّنه من سحب أفراد الوحدة تحت غطاء كثيف من القصف الجوي للحيلولة دون مقتلهم أو وقوعهم في أيدي المقاومة الفلسطينية.
هذه العملية الأمنية الإسرائيلية التي نتجت عنها مواجهة عسكرية بين المقاومة والاحتلال، هي الأعنف منذ عدوان الاحتلال على غزة في يوليو/ تموز 2014، لم تكن العملية الأولى لجيش الاحتلال في عمق غزة، فقد تمكّن من اغتيال الأسير المحرر، مازن فقها، في مارس/ آذار 2017، وسط غزة بأيدي عملاء، كما نجح في زراعة أجهزة تجسّس فنية في منظومة اتصالات المقاومة قبل أن يؤدي اكتشافها إلى ارتقاء ستة مقاومين شهداء في مايو من العام الحالي 2018م.
واليوم، وبعد نشر كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية، صورا لضباط الوحدة الأمنية الإسرائيلية المتسللة في ضربة أمنية موجعة، وجهتها المقاومة الفلسطينية لوحدة "سيريت متكال" أو "سرية الأركان" التي تُعد أكثر وحدات الاحتلال الأمنية نخبوية، وسبق لأشهر العسكريين والسياسيين الإسرائيليين الانضمام إليها، أمثال بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وموشيه يعلون وداني ياتوم، وغيره من قيادات دولة الاحتلال التي لطالما تفاخرت في قدرة منظومتها الأمنية على تنفيذ عمليات أمنية بالغة الحساسية في جميع العواصم من دون ترك أثر خلفها.
يؤكد النجاح الأمني للمقاومة الفلسطينية اليوم أنها شبّت عن الطوق، فعلى الرغم من اشتداد الحصار عليها باتت تمتلك منظومة أمنية قوية تقف ندّاً لمنظومة أمن الاحتلال، بل وتتفوق عليها بجدارة، على الرغم من التقدم التقني الكبير لصالح دولة الاحتلال التي تمتلك في الفضاء أحد عشر قمرا صناعيا مخصصا لأغراض التجسس، والفارق الكبير في الموازنات المالية.
فحسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد منتصف مارس/ آذار من العام الجاري، خصصت دولة الاحتلال ثلاثة مليار دولار لصالح أجهزتها الأمنية (الموساد والشاباك) ضمن موازنة قدرها 21 مليار دولار، تم تخصيصها للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، بما يعادل خُمس الموازنة السنوية لدولة الاحتلال لعام 2019.
من ناحية أخرى، نجحت المقاومة بنشرها صور عناصر أمن الاحتلال كأفراد مطلوبين للمقاومة في تعزيز الوعي الجمعي الفلسطيني بقدرتها على إفشال مخططات الاحتلال، وإلحاق الأذى به، بل وهزيمته، دافعة بهذا الإنجاز مليوني فلسطيني في غزة للمشاركة بأنفسهم في تتبع آثار الوحدة الإسرائيلية، سعياً إلى كشف مخططات الاحتلال الأمنية في غزة، وهي خطوة مهمة نحو استنهاض الجماهير للمشاركة في تحرير الأرض الفلسطينية، وتجاوز عقدة الخوف من جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية.
ونجحت المقاومة في إيصال رسائلها المباشرة إلى جمهور الاحتلال، وخصصت لتحقيق هذا الهدف حسابات على مواقع التواصل، بهدف التقاط أيّة معلومات ذات علاقة بأفراد الوحدة الإسرائيلية، والتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وهي خطوة فلسطينية متقدمة في مواجهة أجهزة أمن الاحتلال التي تسيطر على الفضاء الإلكتروني في فلسطين المحتلة، ما دفع الرقابة العسكرية الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوة، شكك محللون إسرائيليون في جدواها، وهي تحذير الجمهور الإسرائيلي من تداول الصور التي نشرتها المقاومة، أو الإفصاح عن أية معلومات، باعتبارها تسبّب ضررا استراتيجيا للأمن القومي الإسرائيلي.
ربما كانت استقالة وزير جيش الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، وتبادل الاتهامات بالفشل والضعف بين أحزاب الائتلاف الاسرائيلي الحاكم هي هزيمة سياسية لدولة الاحتلال، لكن الهزيمة الأمنية كانت قاسيةً على أجهزة الاحتلال الأمنية التي باتت مخططاتها في خطر شديد، ليس على صعيد غزة فقط، بل على صعيد الدول العربية أيضاً، فعناصر الوحدة الإسرائيلية التي نشرت المقاومة صورهم، وبحسب ما أوردته وسائل إعلام الاحتلال، مارسوا أنشطة أمنية عديدة في الدول والمجتمعات العربية، بهدف تنفيذ عمليات أمنية وجمع معلومات استخبارية من خلال إقامة علاقات، بوصفهم رجال أعمال وتجار وأعضاء أحزاب ليتضح اليوم وبجلاء أنهم عناصر أمن إسرائيليين.
تنبع مخاوف الاحتلال التي رشَحت عقب الإنجاز الأمني للمقاومة من خشية سيطرتها على أجهزة تقنية تابعة للوحدة الإسرائيلية، ونشرها صورة قائد الوحدة القتيل الذي حرصت دولة الاحتلال على إخفائها، طوال الأيام الماضية، ما يعني ضربة أمنية جديدة قد توجهها المقاومة لأجهزة أمن الاحتلال، وتحقيق إنجازات إضافية على صعيد تهديد عمل الوحدات الأمنية الإسرائيلية وإفشال مخططاتها.
تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس لوكالة الأناضول، موسى أبو مرزوق، وألمح فيها إلى تسلل الوحدة الاستخبارية الإسرائيلية إلى عمق غزة عبر معابر القطاع التي تديرها حكومة رام الله، يدعو إلى إعادة التفكير جدياً في آلية عمل معابر غزة، في ظل انسداد أفق المصالحة الفلسطينية، كما أن مكوث عناصر الوحدة أياماً عديدة في غزة تحت غطاء مؤسسة إغاثية يتطلب ضرورة إعادة دراسة وضع عشرات المؤسسات الإغاثية الإقليمية والدولية العاملة في غزة، بما يضمن التأكد من سلامة أفرادها أمنيا، ولا يؤثر سلبا على طبيعة عملها الإغاثي داخل غزة.
ختاماً، تعزيز الوعي الأمني لدى الجمهور، العربي عموما، والفلسطيني خصوصاً، يحمل أهمية كبرى في إفشال مخططات الاحتلال، وهذا يتطلب حساً أمنياً يجب أن يتسم به المواطن العربي، فإنّ الاحتلال لن يمل من محاولة اختراق مجتمعاتنا العربية والفلسطينية تحديداً، فهي معركة أمنية متواصلة ومستمرة، طالما استمر احتلال أرضنا فلسطين.
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)