أحلام والوزيرة المتهورة

أحلام والوزيرة المتهورة

03 ديسمبر 2018

أحلام تغني في مهرجان جرش في أغسطس 2018

+ الخط -
حكاية لا تقل طرافة وغرائبية عن موقعة كلب الوزيرة المترف، وقد تبين للجميع أنني لست صاحبته، بعد أن انشغل الرأي العام الأردني أياما بتفاصيله الوهمية، كما أسلفت في مقالتي السابقة في "العربي الجديد" (26/11/2018). شاءت الأقدار، وربما حظي العاثر، أن تحل الفنانة الإماراتية أحلام ضيفة على مهرجان جرش في أثناء تقلدي منصب وزيرة الثقافة في بلدي الأردن. كنت انتهيت من مهام عملي في ذلك اليوم المكتظ بالاجتماعات المملة، وعدت إلى بيتي، سعيدةً بعطلة نهاية الأسبوع في شوقٍ إلى ممارسة حياتي الطبيعية من دون صخب وأضواء وبروتوكولات ترافق تحركات المسؤولين في العادة، مجرد أمّ عادية في شوق لأولادها، تفرح برفقتهم، وتتذمر، بلا انقطاع، من مهمة غسل الصحون التي تكرهها بشدة، وتعد لهم أحيانا المنسف الذي افتقدوه أيام الانهماك الحكومي.
وفي غمرة متعتي باسترداد ذاتي برهة وجيزة، وردني هاتف غاضب من أحد أفراد العائلة، يلومني بشدّة على تصرّفٍ لا يخلو من استهتار وخفّة. لم يعطني فرصةً للوقوف على سبب نقمته، وأردف قائلا بعصبية: أحلام ليست فيروز كي تستقبليها بهذه الصورة المحرجة! وحين أخذت أؤكد له أنني لم أستقبل أحدا، وإنني في البيت مع الأولاد. ردّ وقد بدأت ثورة غضبه تهدأ، وصارت نبرات صوته أقل حدّة: طيب، والفيديو المنتشر في البلد، الملتقط من مدخل أحد فنادق عمّان الكبرى لمراسيم استقبال الفنانة أحلام، وهي تخرج من سيارتها الفارهة، فتندفعين نحوها مثل مراهقةٍ، تأخذينها بالأحضان، فيما زفة أردنية تصدح بأغاني الترحيب؟ أجبت مثل تلميذة تعرّضت لمكيدةٍ من زميلةٍ حاقدة، أوصلتها إلى مكتب مديرة مدرستها غير المتسامحة: "يا عمي، وحياة الله مش أنا".
توالى وصول الفيديو عبر تطبيق "وتس أب"، تبرّع بإرساله معارفُ وأصدقاء كثيرون بين ناقم ومتشكّك. تضمّن الفيديو لقطات لفتاةٍ أردنية لا تشبهني إلا بلون الشعر، من معجبات الفنانة أحلام، اختارت في سلوكٍ يفتقر للنزاهة والشجاعة التزام الصمت، ولم تكلف نفسها بإيضاح الالتباس، خوفا من اللوم الذي تحملته عنها دونما ذنبٍ ارتكبته سوى أنني شخصية عامة، مسموحٌ، بمنطق بعضهم، مهاجمتها بدون مناسبة. كانت المعجبة تستقبل فنانتها المفضلة بحماسةٍ كبيرةٍ، تطوق عنقها بالكوفية الأردنية الحمراء وتنهال عليها بالقبلات. وتبين فيما بعد أن إدارة الفندق أعدّت الزفة احتفالا بالنجمة ذائعة الصيت، ما أثار سخط الجماهير. لم تنته الحكاية عند هذا الحد، بل ضجّت المواقع بأشد عبارات التنديد والاستهجان، حتى أن كاتبا مرموقا وعالم اجتماع شهير، دأب على تنبهينا في أبحاثه الرصينة، المختصة بدراسة الظواهر السلبية في المجتمع، من مغبة الانجرار خلف الشائعات، قبل أن يقع في الفخ ذاته، وينشر مقالا (اعتذر عنه بشجاعة في اليوم التالي)، يدين فيه سلوك الوزيرة الأرعن، ويوجه لها اللوم الشديد لإساءتها الفادحة للوطن ورموزه، ما اضطر وزارة الثقافة إلى إصدار بيانٍ يؤكّد عدم وجود الوزيرة، أو أي موظف رسمي، في الاستقبال المزعوم.
حققت حفلة أحلام نجاحا منقطع النظير، حيث اكتظ مدرج المسرح الشمالي في جرش بالجمهور. ما زاد الأمر تعقيدا أن أحلام استأجرت طائرة عسكرية، وزارت البتراء، وسجلت فيلما قصيرا بإمكانات إنتاجية ضخمة، روّجت فيه، بشكل فني جميل، المدينة الوردية. أظن أنها أسدت خدمة كبرى لقطاع السياحة في الأردن، غير أن المستريبين في كل شيء زادوا من حدّة هجومهم، وقد أفاد أحد عباقرة "فيسبوك"، وبلغة متيقنة (!)، بأن أحلام أهدتني عقدا ثمينا من الماس، اشترت به ذمّتي، كما أكدت ذمته الواسعة الفضفاضة. لم يحدث أن التقيت الفنانة أحلام، ولست من المتذوقين صوتها على الرغم من جماله، ولدي رأي نقدي قاس في أدائها الإعلامي، غير أنها فنانة في نهاية الأمر، ولديها نجوميتها وجمهورها العريض، وعلينا احترام ذائقة الآخرين، وتحرّي الدقة قبل إطلاق سهام النقد الجائر الموجه إلى بعض الشخصيات العامة، لأنها تستحق إنصافا كثيرا، وقليلا من حسن الظن، على سبيل التغيير.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.