طائش من عصابة ترامب

طائش من عصابة ترامب

20 ديسمبر 2018
+ الخط -
تستطيع بكل سهولةٍ ويسر أن تؤرّخ لعصابة رئيس أميركا، دونالد ترامب، الداخلية والخارجية، بالعصابة ما قبل قتل جمال خاشقجي، والعصابة ما بعده؛ ففي الأولى كانت العصابة في فترة السرية والإعداد والتنقل بحذر وحيطة، وبعد قتل الرجل حاولت العصابة الاستعانة بالكتمان والنكران والمراوغة والهروب والكلام حمّال الأوجه، مثل "عصابة مارقة"، وهو "لم يكذب عليّ"، حتى اكتملت الفضيحة. وتستطيع، وأنت مستريح، أن تعرف أن من أوردهم جميعا إلى فوهة البركان كان هو الأمير محمد بن سلمان. وبقتل خاشقجي، كانت تلك هي القشّة التي قصمت ظهير البعير والبعران، وكل مؤامرات العصابة، من صفقة القرن، ومحمد دحلان، ومحمد بن زايد، حتى يخت محمد بن سلمان في البحر الأحمرشرقا، إلى كوشنر وإيفانكا، بكل أطياف فساتينها المحتشمة وغير المحتشمة، وترامب ووزير خارجيته غرباً، وما زلنا على أعتاب الفضيحة – العصابة، ولم نصل بعد إلى لبّها.
قبل مقتل جمال خاشقجي، دخل محمد بن سلمان معارك التتويج للملك المنتظر برعونةٍ وطيش منقطعي النظير، فالرجل يجهز للعرش بالدم، ولو على جثث بسطاء من أهلنا في اليمن، فكانت حرب اليمن، وأكملها بحصار قطر، الجار القريب، بالاتفاق مع الإمارات والبحرين ومصر "الباحثة عن الصيد نظرا لظروفها الاقتصاية الوعرة"، لكن الرجل تعدّى حتى المعتقد والدين والشرع، وساعدته بليل باقي العصابة. وكان الطبل الإعلامي في القاهرة على قدم وساق بأحمد موسى الذي أعلن أن "قطر خلاص خلال أسبوع ستتحول إلى جزيرة معزولة تماما في البحر، وأيضا الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية ستباشر المشروع، وبدأت الإعداد بالفعل، بالطبع من غير حتي دراسة جدوى واحدة". ودخل الرجل "عركته" الثالثة في همّة، وهي مقاطعة كندا "من أجل تصريح"، وإحداث أزمة دبلوماسية مع دولةٍ ليس لها في المناكفات السياسية، وتسبب أيضا بأزمة لما يوازي 15 ألف مبعوث لدراسة الماجستير والدكتوراه والطب والهندسة من أبناء شعبه، "هو الملك لا يهمّه هندسة ولا طب"، فالملك في ذهنه القديم يبني فقط بالدماء والعنف. 
وتأتي الرابعة، وهي التي لم تندمل بعد، مع أبناء عمومته من الأمراء ورجال الأعمال ورجال أعمال آخرين، وأدخل حوالي أكثر من مئتين منهم السجون، علاوة على الدعاة من الإصلاحيين والنشطاء والناشطات أيضا، لزوم إثبات البطولة على الجميع، قريبا أم غريبا. وأدخل المملكة فيما يشبه الهرج والمرج بالحفلات "المهندسة" لزوم "الشو"، وتجديد دماء المجتمع، فأفلتت فتاةٌ من عقالها الحرير ناحية مطرب في حفل مذاع. وهكذا يكون التجديد، وقد التبس بالفضيحة، ثم جاء بالخامسة، وكانت هي الفاصلة وواضعة النهاية لهشاشة كل هذا المسرح وهشاشته، المهندس بعجلة وعبط، وهي التخطيط الوحشي والصبياني أيضا لقتل صحافيٍ، لا يمتلك شيئا سوى قلمه، بالطبع التخطيط، من دون دراسة جدوى، أو حتى قراءة للعواقب، أو أي اعتبار للحساسية أمام العالم المتحضر الذي يحاول جاهدا اللحاق به بالسينمات الجديدة وقيادة المرأة للسيارة.. إلخ، فجهز منشاره وطائراته الخاصة وصبيانه، وكانت الطامّة الكبرى. 
وبدأ العالم كله والتاريخ يؤرخّان للعصابة، بعد كشف القناع لمرحلة ما بعد قتل جمال خاشقجي، وانتبه العالم، فأتى خيط فضيحة قتل خاشقجي هو الآخر بخيط مقتل الإيطالي جوليو ريجيني، بعد ثلاث سنوات من المماطلة، ثم توالت خيوط الفضائح، فكان الباحث البريطاني، ماثيو هيدجز، والذي حكم عليه في الإمارات بالمؤبد، وتوالت الفضائح، فتم العفو عنه خلال يومين، بعدما أحست العصابة "أن البوكس بدأ يلم". يالبركات طيش الصغار. وكأن لكل طيش بركة لكشف باقي الفضائح.
هل كان ترامب يعي فعلا عبارة "عصابة مارقة" التي قالها فور قتل خاشقجي، أم تم نحتها له؟
هل أدرك الآن أنهم كذبوا عليه، أم كان هو شيخ العصابة، ودرويشها الذي يعرف المفاسد، ويدّعي أنه لم يسمع ولا يريد أن يسمع، ولا يريد أن يكذب القاتل.
نحن في الشهور المقبلة على أعتاب فك هذا اللغز الذي سوف يكلف الجميع فواتير ضخمة، وما زال الجميع يتملص ويراوغ، طائش فضحه منشار، والمنشار دليل طيشه، وما خفي كان أعظم.
ملحوظة أخيرة، تضم العصابة أيضا كتّاب دراما وحلاّقين ومذيعين ومذيعات وتجار شنطة ورؤساء تحرير وأطباء شرعيين وقناصل يبحثون عن القتلى في دواليب الكتب والدوسيهات، مثل محمد العتيبي، وهي اللمحة الوحيدة المضحكة في الموضوع كله، على الرغم من هول المأساة وفظاعتها.