الدين الخارجي لمصر..

الدين الخارجي لمصر..

20 ديسمبر 2018
+ الخط -
خرج علينا وزير المالية الصري، محمد معيط، بتصريحين متناقضين، يدل على أنّ هناك تخبطا وإرتباكا وإختلالا ما، قد يصل الى حد الفشل، حين قال: "للأسف الشديد، نستدين من أجل سداد أعباء الديون، والرئيس عبد الفتاح السيسي أعطى لموضوع الديون أولوية، عن طريق وضع إستراتيجية لتخفيض الدين والسيطرة عليها"، ثم أعقبه بتصريح آخر، قال فيه "إن مصر تهدف طرح إصدار سندات بالعملة الأجنبية على الأقل في الربع الأول من 2019، وأن مصر تعتزم طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، خلال العام المالي الجاري 2018-2019".
من المتوقع أن يرتفع الدين الخارجي ليتعدى 94 مليار دولار في نهاية هذا العام، بعد أن تتسلم مصر الشريحة الخامسة بقيمة ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، قبل نهاية الشهر الجاري. وما يزيد التعجب والدهشة أنّ هناك من يردد أن نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي ما زالت في حدودها الآمنة، على الرغم من أنها اقتربت من 50%، متناسين أنّ الإعتماد على هذا المؤشر يتطلب إقتصاداً متوازناً، بمعنى مساهمة الناتج المحلي الإجمـالي بالنـصيب الأكبر في حجم الإنفاق القومي، بشقيه الإستهلاكي والإستثماري، كذلك تناسوا أنّ الإقتصاد المصري يعاني من عيوب هيكلية، وأنّ الإفراط في الإقتراض من الخارج من أجل سد الفجوة التمويلية، وحل أزمة نقص العملة الصعبة في السوق، زادت من أعباء خدمة الديون المستحقة (فوائد القروض وأقساطها)، ما ساهم في اقتطاع جزء كبير من إجمالي النـاتج المحلـي للوفـاء بالتزامـات المديونية الخارجية، بل واللجوء الى الإقتراض من جديد من أجل الوفاء بتلك الإلتزامات على حساب تمويل الواردات. ونتيجة عدم قدرة الحكومة على تمويل الواردات من السلع، ساهم فـي حـدوث انخفاضٍ في حجم العرض الكلي من السلع والخدمات، مع تزايد حجم الطلب الكلي، الأمر الـذي ما زال يـدفع الأسـعار نحو الارتفاع، وبالتالي ساهم في زيادة عجز الموزانة والديون والضغوط التضخمية.
يعتبر مؤشر رصيد المديونية الخارجية إلى الصادرات الأمثل في معرفة ما إذا كانت الديون الخارجية لمصر في حدودها الآمنه أم لا، وفي أي خانة تقع، على اعتبار أنّ حصيلة الصادرات من النقد الأجنبي تمثل المصدر الرئيسي لسداد أعباء الديون وتمويل الواردات، فالزيادة في حجم المديونية الخارجية ساهمت في زيادة الأعباء المترتبـة عليهـا من أقساط وفوائد، تلك الأعباء تستقطع الجزء الأكبر من النقد الأجنبي لسدادها، ما ساهم في ظل محدودية موارد النقـد الأجنبـي إلـى زيـادة الـضغوط التضخمية، نتيجة عجز الحكومة عن تمويل وارداتها مـن الـسلع والخـدمات، وقد ترتب على ارتفاع أعباء خدمة المديونية الخارجية المسدّدة انخفاض القدرة الاستيرادية للاقتصاد الـمصري المعتمدة على المصادر الحقيقية للنقد الأجنبي من 23% عام 2016 الى 15% عام 2018، والتي يمكن الحصول عليها من قسمة الرصيد المتبقي من صافي الصادرات (طرح خدمة أعباء الدين الخارجي من قيمة الصادرات) على قيمة الواردات مضروب في مائة، خصوصا إذا علمنا أن في 2016 و2018 كانت قيمة الصادرات (20.4،24)، وأعباء خدمة الدين الخارجي (5.2،13.6)، وقيمة الواردات (66،68)، كذلك في الوقت نفسه ارتفعت العمليات الإستيرادية الممولة بالقروض الخارجية من 77% عام 2016 إلى 85% عام 2018، التي يمكن الحصول عليها من خلال طرح المقدرة الاستيرادية للاقتصاد لكل عام من مائة .
أي دولة مهما تدنى تصنيفها الإئتماني يمكنها الإقتراض من الخارج، ومن الملاحظ أنّ مصر زاد اعتمادها على القروض الخارجية في السنوات الأخيرة بشكل مفرط، ليس لتمويل الواردات المحلية فقط، بل توجيه متحصلات تلك القروض نحو مشروعاتٍ ذات طبيعة غير اسـتثمارية واستخدامها وتوظيفها في تمويل مشروعات منخفضة الإنتاجية.
إنخفاض عوائد تلك المشروعات وعجزها عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عـن تلـك القروض، وفي ظل محدودية موارد الدولة من النقد الأجنبي، وارتفاع معدلات الفائدة على القـروض الخارجيـة، أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي، وبالتالي زيادة أعباء الدين الخارجي، ما جعل الاقتصاد عرضة لمشكلات مالية وإقتـصادية كبيرة، حيث توصف المديونية الخارجية لمصر بأنها متفاقمة لإرتفـاع متوسـط نسبتها إلى إجمالي قيمة الصادرات عن 350%، ليؤكد لنا فشل السياسات النقدية والمالية في اعتمادها على القروض الخارجية وعلاج الإختلالات الناجمة عن الزيادة في المديونية الخارجية، حيث انتقلت الحكومة من مرحلة التوسع والإفراط في الإقتراض من الخارج إلى مرحلة الإدمان، وهذا ما يؤكّده تصريح محافظ البنك المركزي، طارق عامر، إذ قال: "ليس لدينا أي قلق من مستوى الدين الخارجي، وقدراتنا أكثر بكثير، ونتحمل دينا خارجيا أكثر بكثير من ذلك". هنا الخطورة، فقد سلطت مؤسسات اقتصادية دولية عديدة الضوء على ديون مصر الخارجية، ووضعها ضمن سبع دول ناشئة معرّضة لمخاطر، بسبب إرتفاع تكلفة الديون وسعر الفائدة، على الرغم من وصول الإحتياطي النقدي المصري إلى مستوى مرتفع، إلا أنه يوصف بالهش الضعيف، بسبب التزام مصر على المدى القريب والمتوسط بسداد أقساط وفوائد ديون خارجية وودائع من دول أجنبية، خصوصا أنه تم بناؤه في الأساس من الحصول على قروض خارجية، وقد يسبّب ذلك ضغوطا سلبية على تصنيف مصر الإئتماني، ويضعف المقدرة على السداد في الآجال المحددة.
ما نخشاه أن يتكرر المشهد الأرجنتيني عام 2002، وهنا سيكون أشد ضراوة في مصر عنها في الأرجنتين، أو تكرار السيناريو الذي تعرّضت له مصر خلال حكم الخديوي إسماعيل عام 1882 عند إنشاء قناة السويس.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)