عروض وحملات مغرية

عروض وحملات مغرية

19 ديسمبر 2018

(Getty)

+ الخط -
يفاجئك هاتفك بصوتٍ طال غيابه، ويبدأ صاحب الصوت في السؤال عن صحتك وأخبارك، ويسألك عن ظروفٍ مضت وانتهت، بخيرها وشرّها، ويستفسر عن صحة شخصٍ تعرفه ويعرفه، وتفاجئه بأنه قد أصبح في العالم الآخر، فيقدّم لك تعازيَ متأخرة، على الرغم من أن الحكمة تقتضي عدم تجديد الأحزان، ولكنه يفعل ذلك بحماسةٍ بعد مرور أعوام، ثم يحدّثك عن الوضع العام وغلاء الأسعار. وهنا تبادره أنت بالسؤال: هل حصلت على دقائق مجانية من حملة شركة الاتصالات الأخيرة؟ فيرد بالإيجاب، وتكاد تلمح بهجته، وقلبه المتراقص فرحا على الجانب الآخر، وهو يعتقد أنه من المحظوظين. ولا يخطر بباله أنك قد نسيت أمره تماما، لأنك تطبق القاعدة المهمة في حياتك، وهي أن من يحبك ويريدك سوف يجد ألف طريقةٍ للتواصل معك على الرغم من انشغاله، وتوشك أن تخبره أن الدقائق المجانية هي السبب في محاولة إعادة مياه جفّت إلى مجاريها، لكنك تحجم، وتقدم على الاعتذار، لتنهي مكالمةً لا يعني لك صاحبها شيئا سوى أنه من المهووسين بالعروض والحملات المغرية.
لا يوجد واحدٌ منا لم يقع في فخ العروض والحملات المغرية، والتي تكثر في آخر العام تحديدا. ويتضح تأثرنا في بلادنا العربية بما تعرف بالجمعة السوداء في الولايات المتحدة الأميركية، وحيث تحصل حملة تخفيضاتٍ هائلةٍ ومخيفةٍ، إلى درجة أن المحال تمتلئ بالزبائن، وتكتظ الشوارع بالمتزاحمين، وتحدث الاشتباكات بين المواطنين الواقعين في فخاخ التخفيضات، ويندفعون خلف حمّى شراء ما يلزم وما لا يلزم، بسبب انخفاض الأسعار، من دون التفكير في جودة ما يشترونه، وفي أن بيوتهم سوف تصبح مخازن لما استغنت عنه الشركات المنتجة والمستوردة، وما عانت من كساده، وقرّرت أن تزيحه عن كاهلها في هذه المناسبات التي تكلف المواطن جزءا من ميزانيته. لا يشعر بفقدانه إلا بعد فوات الأوان، بل وصل الحد بهؤلاء إلى أن يناموا أمام أبواب المحلات التي أعلنت عن التصفيات والتخفيضات، لكي لا يفوتهم شراء ما يعتقدون أنه فرصة ولن تتكرّر في باقي الأيام. ويبدو أن اختيار الاسم يناسب تماما الزبون المستهلك، أكثر مما يعتقد أو يشار إليه بأنه يمثل خسارةً للشركات والمحلات.
في مرحلة ما من حياتي كأم، وقعت ضحية العروض والحملات المغرية، وأصبحت أمسح بعيني الأسواق، بحثا عن المحلات التي تعلن عن عروضها على غرار اشترِ اثنتين بسعر واحدة، أو اشترِ اثنتين واحصل على الثالثة مجانا، حتى اكتشفت أنني أصبحت أمرّ بضائقة مالية قبل أن ينتصف الشهر، وأن رتقا كبيرا قد حدث في ميزانية البيت. كما أن البضائع والمشتريات أصبحت مكدّسة في بيتي، وحين بدأت أتفحصها، اكتشفت أيضا أن بيتي أصبح مكبا لنفايات الرأسماليين أصحاب الشركات المستوردة والمنتجة، والذين ملأوا جيوبهم بأموالي وأموال غيري من السّذج الذين اعتقدوا أنهم من الذكاء بحيث استغلوا الفرص، وهم لم يسمعوا إلا متأخرا الحكمة الرائعة، والتي تحذرنا من هذه العروض، وتقول: "لا تشتر ما لا تريد، لكي لا يأتي اليوم الذي تبيع فيه ما تريد". وأعتقد أن خير مثال ينطبق على هذا المثل، هم الأثرياء المهووسون بشراء التحف الثمينة، والذين رأينا بيوتهم تباع في المزادات، بعد أن نال منهم الفقر، بسبب سوء التدبير.
وعن الدقائق المجانية، لفتتني واقعة تحدث بين زوجين فقيرين، فالزوج بلا عمل، والزوجة تعمل خادمة في البيوت، لكي تؤمن لقمة صغارها، والزوج يحصل منها كل يوم على مبلغٍ من المال ليشتري السجائر. ولكي يشحن هاتفه النقال بعرضٍ مخفض لدقائق الاتصال، ويشعر بسعادة بأنه يقضي وقته وهو يتحدّث في الهاتف، وهو لا يشعر بالأسى على زوجته التي تعمل خادمة. وقد وقعت على هذه القصة، وحسبت مع الزوجة المبلغ الذي ينفقه الزوج لشحن هاتفه، فاكتشفنا معاً أنه مبلغ لا بأس به، ويمكن توفيره لشراء حذاء أو معطف لأحد الصغار، ولكن الزوج يصر أن يبقى الهاتف على أذنه ليل نهار، وكأنه سيموت لو فاته آخر العروض.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.