حماس ومهرجان انطلاقتها

حماس ومهرجان انطلاقتها

19 ديسمبر 2018
+ الخط -
اعتادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي كل عام، استثمار ذكرى انطلاقتها السنوية لإرسال رسائل سياسية وعسكرية وأمنية عديدة، والتأكيد على تمسّكها بثوابت القضية الفلسطينية، وعدم تخليها عن المبادئ الإسلامية التي انطلقت وفقها قبل 31 عاماً.
وقد ظهرت "حماس" أكثر احتضانا بين مناصريها وأبناء شعبها، وكانت رسائلها أكثر وضوحا على المستويين، الإقليمي والدولي، وأشد حزماً وقوة لأعدائها من بني صهيون، إذ حرصت على تنظيم مهرجان شعبي حاشد ضم مئات آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين شكّلت مشاركتهم صدمة لخصوم الحركة وأعدائها على حد سواءً، فمشاركة هذه الجماهير الحاشدة تأتي بعد معركة أمنية وعسكرية، خاضتها "حماس" مع دولة الاحتلال، حققت خلالها نصرا أمنيا بكشفها اللثام عن صور أفراد الوحدة الأمنية الصهيونية، ونصرا ميدانيا عسكريا دفع حكومة الاحتلال إلى القبول بهدنة بعد 48 ساعة من إطلاق صواريخ المقاومة تجاه المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة عام 1948، كما وتتوّج هذا الإنجاز الحمساوي المقاوِم بنصر سياسي تمثّل في استقالة، أفيغدور ليبرمان، وزير جيش الاحتلال، في اعتراف ضمني بهزيمته أمام "حماس".
الحشد الجماهيري الكبير، والذي تنوّعت شرائحه المجتمعية ما بين الشباب والشيوخ والأطفال والنساء، مثّل استفتاءً جماهيرياً حازت خلاله حركة حماس على تأييد واسع في الشارع الفلسطيني، في دلالة واضحة على فشل الهدف الرئيس من حصار غزة، والذي تمثّل في انفضاض الجماهير عن "حماس" والثورة عليها.
الحضور العسكري اللافت في مهرجان انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية، ومن خلال جوقة عسكرية تابعة لكتائب القسام الجناح المسلح للحركة، حمّل رسائل عديدة حازمة لجيش الاحتلال، بدءاً من استخدام سيارات متشابهة للتمويه، مروراً بالإشارة إلى تشكيلات حماس المشاركة في الجوقة، مثل وحدات القنص والمدفعية والإعلام العسكري وغيرها، وكذلك بعض أسلحة "حماس"، مثل بندقية القنص المتطورة، والصواريخ المضادة للدروع وصاروخ الكورنيت الذي وجهت حماس من خلاله ضربة عسكرية قاتلة لجيش الاحتلال، خلال المواجهة العسكرية أخيرا، وصولا إلى كلمات الأنشودة التي أنشدتها الجوقة العسكرية، وحملت تهديداً واضحا وحازماً لجيش الاحتلال، حال تفكيره في الدخول إلى عمق غزة، كما توّجت "حماس" هذا العرض العسكري المهيب بإظهار طائرات مُسيّرة من دون طيار، والتي غنمتها كتائب القسام من جيش الاحتلال.
وعلى الرغم من أنّ عديدا من كلمات أنشودة الجوقة العسكرية، حملت رسالة حب ووفاء للشعب الفلسطيني الذي شكّل حاضنة للمقاومة الفلسطينية طوال السنوات الماضية إلا أن تزيين العلم الفلسطيني البزات العسكرية التي لبسها أفراد الجوقة العسكرية كان رسالة اطمئنان رمزية للشعب الفلسطيني، ودلالة واضحة على أنّ راية القسّام هي راية الكل الفلسطيني، وجيشها هو جيش الشعب الفلسطيني، على اختلاف أطيافه السياسية والفكرية والدينية.
الفقرة الأكثر تميزاً في حفل انطلاقة "حماس"، كانت بلا شك كلمة رئيس مكتبها إسماعيل هنية، والذي شكر قطر على مواقفها الأصيلة الداعمة للقضية الفلسطينية، ومصر على دورها في تخفيف الحصار عن غزة، مؤكداً أن صفقة القرن الأميركية الإسرائيلية لن تمر، وأنّ مسيرات العودة الكبرى التي يتلفّ حولها الشعب الفلسطيني قد هزمتها إلى غير رجعة، كما أفرد هنية مساحة واسعة من كلمته للضفة المحتلة التي ترى فيها "حماس" مستقبل الصراع مع الاحتلال، فذكر شهداءها، ووجه التحية لعوائلها، مفتخراً بمقاومتها، ومستنهضا شبابها ورجالها، ولم يغب الأسرى في سجون الاحتلال عن كلمة قائد "حماس" الذي أكد على قرار الحركة الحاسم بتحريرهم وتبيض سجون الاحتلال مهما كانت الأثمان.
وعلى الرغم من أنّ ملف الوحدة الفلسطينية كان عنوانا واضحا في كلمة قائد حماس الذي حيّا كل القوى والفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح، داعيا إلى عقد لقاء عاجل مع رئيس السلطة الفلسطينية، بهدف إنهاء الانقسام الفلسطيني، مُعلنا موافقة "حماس" على الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية خلال ثلاثة أشهر، إلا أنّ رد حركة فتح من خلال الناطق باسمها كان متوقعا، فعباس يخشى خسارة الانتخابات، وإسدال الستار على دوره السياسي، حال أية انتخابات فلسطينية مقبلة، خصوصا مع الفشل الذريع الذي أصاب برنامج فتح السياسي القائم على المفاوضات مع الاحتلال 25 سنة مضت، لم تنجح خلالها في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الضربة القاسية وجهها إسماعيل هنية لجيش الاحتلال، حين أعلن في كلمته عن نجاح "حماس" في الوصول إلى معلومات أمنية مهمة، خاصة بالوحدة العسكرية الإسرائيلية التي كشفتها كتائب القسام خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ونتج عنها مواجهة عسكرية عنيفة بين غزة ودولة الاحتلال، كما أعلن هنية عن نجاح "حماس" في امتلاك كنز أمني وفني كبير، سيتم الإعلان عن تفاصيله لاحقا، من خلال مؤتمر تعقده كتائب القسام في الأيام المقبلة.
نجحت "حماس" في حفل انطلاقتها الواحد والثلاثين تنظيماً وتحشيداً، وبرعت في إيصال رسائلها السياسية والعسكرية، وأثبتت للجميع فشل الحصار الخانق في بث اليأس وروح الهزيمة في نفوس الفلسطينيين، فالشعب الفلسطيني أصبح قويا بحركة حماس التي أضحت باحتضان الشعب الفلسطيني لها ولمقاومتها أصلب عودا وأشد بأساً.
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)