الإبداع شكل ومضمون

الإبداع شكل ومضمون

17 ديسمبر 2018
+ الخط -
جاءني مبدع ناشئ، وعلى وجهه علامة الضجر، فبادرته بالقول: أرى بعض ملامح الغم على محياك، فماذا دهاك اليوم وأنت معروف بمرحك وحيويتك؟ تردد في الإجابة، وعندما ألححت عليه، جلس يحدثني: شاركت في أمسية ثقافية، وحين قرأت على الجمهور، وبينهم نقاد، ما أعتقده جيدا من نصوصي، تلقيت صفعات من النقاد الحاضرين من دون استثناء. لقد شددوا على أني لم التزم الجمالية المغلفة للمضمون، ما جعلهم يستبعدون منجزي من الإبداع.
ثم أردف يقول: المشكل أن الأمسية السابقة تلقيت ملاحظات مناقضة للسابقة تماما، إذ أشار أحدهم إلى أن نصي جميل، لكنه فارغ من المضمون، فنحن نقرأ قصتك، ولا نستطيع القبض منها على أي فائدة لها علاقة بمجالات الحياة.
تدخلت قائلا: وماذا أنت فاعل ألآن؟، قال لو كنت أعرف ما أفعل ما جئت، وأنت ترى علامة الاضطراب والحزن على وجهي.
قلت: لا تحتاج المسألة إلى حزن، ولا اضطراب. وأنت الآن في مستوى من يستطيع أن يبدع نصوصا جميلة، تجمع بين الشكل والمضمون، فتكون مرضيا للمناصرين للشكل، ومرضيا لمناصري المضمون، وبذلك تصير الممتع المفيد.
قلتُ له هذا فتنفس الصعداء، وكأنه عثر على ضالته، قال مادًّا يده كي يصافحني: لقد فتحت لي بابا واسعا نحو حديقة الإبداع من جديد.
غادرني فرحا، وكله استعداد وعزيمة وحزم للإبداع.
يعود المطروح في هذا الحوار إلى إشكالية الشكل والمضمون التي شهدت نقاشاتٍ دامت سنوات بين مناصرين للشكل ومناصرين للمضمون، فهناك من يرى أن الفن ينبغي أن يكون خادما للقضايا الجمالية دون غيرها. وهنا ظهرت قضية الفن للفن، لتشجب الاهتمام بالمضامين مناصرة للشكل، وكل ما يرتبط بالجمالية المحضة. وقد نتجت عن ذلك نصوص ولوحات وغيرها من الأنواع الفنية التي تحس بفنية تركيبتها، بعيدا عن موضوعات لها ظلالها وأثرها في الواقع.
وفي المقابل، نجد نصوصا تحتفي بالمضامين، وتجعلها هدفها الأول، فتغفل الجمالية التي هي السمة التي تجعل من الإبداع إبداعا، وإلا فإن كل منجزٍ لا تتوفر فيه الإبداعية بدرجة ما لا يمكن إدراجه في حقل الإبداع، فالمضامين تتشابه، لكن فنية تقديمها تختلف من شخص إلى آخر، وهنا نقف على بصمة كل مبدع وسمة كل إنتاج.
ولتجاوز الإشكال، وبمنطق "خير الامور أوسطها"، على المبدع المتبصر، المنصف لنفسه وغيره، أن يبدع مراعيا جانبي الشكل والمضمون، ليرضي ذا وذاك، ويرضي نفسه أيضا.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني