"درع الشمال" دعوة لروسيا

"درع الشمال" دعوة لروسيا

15 ديسمبر 2018
+ الخط -
طرحت عملية "درع الشمال" التي يقوم بها جيش الاحتلال  الإسرائيلي، بهدف كشف ما سماها "أنفاقا هجومية لحزب الله"، على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، أسئلة عدة بشأن مدى تطوّرها واحتمال تحوّلها حربا شاملة. وهي أسئلة بدأ اللبنانيون يطرحونها ربطاً بالحسابات السياسية في الداخل، من ناحية تراجع الوضع الاقتصادي وعدم تشكيل الحكومة. الوقائع حتى الآن تستبعد أي حربٍ جديدة، سواء بسبب الوضع المتطوّر في الضفة الغربية المحتلة التي شهدت عمليات مقاومة عدة ضد جيش الاحتلال في الأسبوع الحالي، أو بسبب الستاتيكو الذي أرسته روسيا بعد قضية الجنوب السوري. وهو ستاتيكو أسهم في إبعاد الإيرانيين عن الجولان إلى العاصمة دمشق، وتراجع القوة المؤثرة لحزب الله في الجنوب السوري. صنع الروس "سلاماً" مبنياً على العودة إلى اتفاقية "فكّ الاشتباك" بين السوريين والإسرائيليين في عام 1974. وهو كافٍ للبدء بالتفكير بـ"سلامٍ" مماثل في الجنوب اللبناني، وإنْ بغير صفةٍ أو بغير صيغة. 
من "البديهيات" أن أي حربٍ بين حزب الله والإسرائيليين ستضع المنطقة برمّتها على فوهة بركان، وبحساباتٍ تبدأ من اللجوء في لبنان إلى إمكانية استهداف المحطات الإسرائيلية للتنقيب عن النفط، وصولاً إلى طهران وبغداد. وإذا كان الداخل الإسرائيلي لا يتحمّل توتراً جنوبياً في غزة، وشمالياً في لبنان، في آنٍ واحد، إلا أن لبنان بدوره غير قادر على تحمّل تبعات أي عدوانٍ إسرائيلي، خصوصاً أن نتائجه ستعني فراغاً على الأرض، بغياب حكومةٍ أو عامل إقليمي لإدارة الأزمة. هنا يأتي الدور الروسي، فما تزامن زيارة وفد عسكري إسرائيلي موسكو، منتصف الأسبوع الحالي، مع كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن "ضرورة توسيع دور قوات الطوارئ الأممية (يونيفيل) في جنوب لبنان"، سوى "دعوة" إسرائيلية إلى روسيا للقيام بدور في جنوب لبنان، مشابه لدورها في جنوب سورية.
بالطبع، لن يرفض لبنان أي تدخل روسي في هذا الصدد، ليس فقط لأن دور موسكو مع النظام السوري وعلاقاتها المتشعّبة مع الأميركيين والإيرانيين والأتراك والإسرائيليين "دليل خبرة شرق أوسطية"، بقدر ما أن السلطات اللبنانية فاقدة هيبتها الشرعية في اتخاذ قراراتٍ بهذه الأهمية. كل ما يحتاج الأمر لإنضاج الدور الروسي لبنانياً هو "شرارة"، والإسرائيلي يدفع في هذا الاتجاه. فإذا "ارتاح" في الشمال الفلسطيني المحتلّ، فإنه سينصرف إلى متابعة الحراك الداخلي ضد الفلسطينيين، وتسهيل ولادة "صفقة القرن"، على الرغم من أن "الصفقة" حالياً في ظرفٍ دقيقٍ، بفعل تضييق الخناق على عرّابها، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الكونغرس أخيراً.
قد تكون الشرارة "حدثاً أمنياً" فترة موقتة، لا تتدحرج إلى حربٍ شاملة ولا تنتهي بساعات. وسيكون هذا "الحدث" كفيلا بتكريس العنصر الروسي ضابط إيقاع للجنوب اللبناني، و"دولة عظمى" يحجّ إليها اللبنانيون، كما فعل كثيرون خلال العامين الماضيين، ومنهم زعماء وأحزاب مصنفون بأنهم من "الصف الثاني". صحيحٌ أن الأميركيين لن يكونوا بعيدين عن الأجواء، في ظلّ "استثمارهم" في الجيش اللبناني والقوى اللبنانية الشرعية، بالعتاد والذخائر، إلا أنهم لن يعترضوا على دور روسي يرسّخ "أمن اسرائيل"، ثابتة وجودية لموسكو وواشنطن.
السؤال الأهم هنا ليس: "متى تقع الحرب؟"، بل "هل سينجح هذا السيناريو، من دون دخول عوامل أخرى أو يقوم المتضرّرون بانتفاضة ضده؟ وهل سيقبل حزب الله مثل هذا الوضع، أو بالنشاط الروسي في لبنان؟". في الواقع، مواكبة الحزب إعلامياً عمل الجرافات الاسرائيلية في الحفر، والتندّر بها، ضمن سياق "الحرب النفسية" يمكن أن تُوضع في خانة "رفع السقوف لفرض الشروط"، لا في خانة "تأكيد وقوع الحرب". أما لدى الإسرائيليين، فسيعمل نتنياهو على توظيف ما قد ينجم عن "درع الشمال" في سياق انتخابات الكنيست، ومواصلة حديثه عن "الرخاء الاقتصادي" المرتقب في العقود المقبلة إسرائيلياً، ما لم تتطور مقاومة الأسبوع الأخير إلى مقاومة شاملة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".