عماد الدين أديب والاستظراف وقت الخجل

عماد الدين أديب والاستظراف وقت الخجل

13 ديسمبر 2018

عماد الدين أديب.. يترك المناشير والدماء ويستظرف على "الجزيرة"

+ الخط -
تاجر شنطة أفكار "مضروبة" أكل عليها الزمن وشرب. شيء من بقيّة "هلاهيل"، تركها محمد حسنين هيكل، أو بَالَة هيكل القديمة ينفخ فيها عماد الدين أديب، لزوم الشغل والوجود لدى أمراء السعودية. همّة لا تكل ولا تمل من ثلاثين سنة، وإخلاص "شماشرجي" معتاد.
لا يمل عماد اللعبة، أو الشنطة، أو العمل، أو تسويد الصفحات بالفهلوة أو البلطة، أو بعض الاستظراف، لزوم ترويج السلعة حتى في أصعب فترات الخجل والفضيحة. الرجل لا يهمه، ويمشي في مهمته حتى النهاية من موقعة الجمل وما قبلها بسنوات (تجميل مبارك بالكرافتة في فترته الأخيرة)، حتى دماء جمال خاشقجي، وحتى دماء آخرين من الكتّاب يتم قتلهم بمناشير الأمراء، قتل في وضح الظهيرة، لا بقناة الجزيرة أو رسالتها، سواء اتفقت أو اختلفت معها، ولكن الرجل، كعادته، يترك المناشير والدماء، ويستظرف على قناة الجزيرة، وكأنه هو تماما المرأة التي تخدع الزوج في سريره، وتغيّر الموضوع في النكتة. يلعب دورها تماما، ويتضاحك هو على "الدور" الذي يلعبه هو، هو الهارب من المنشار والدم إلى ضحكة الزوج المخدوع، يريد أن يضحكنا بظرفه على رجل مخدوعٍ في سريره، هو نفسه يصنع مراوغة الزوجة الخائنة في سرير الزوج. يريد أن ينقلنا من المنشار والدم والكلمة المقتولة بأمر "أصحاب أموال شنطته" إلى نكتة سمجة لاكَتها السنوات، كما لاكت العقول، عدة هيكل وشنطته وبالته القديمة بعدما أكل عليها الزمن وشرب.
يستعيد عماد الشنطة، ويسرح بها في "مواسم الدم"، كي يحوّل الدم إلى ماء، أو إلى عطر في بورصات الأمراء والسوق والنسيان، والحكم البغيض المتغلب بسفك الدم والفنادق ومؤامرات البيوت الحاكمة بالدم والمال.
ولأن اللعبة صارت كئيبة، وغير مشوّقة بالمرة، وكابوسية ومؤلمة، ولأن شبه التجارة، تجارته، أصبحت في مهب ريح، ولأن التجارة برمتها أصبحت في طريقها إلى الخراب، بعد تدنّي سعر برميل النفط ببركة تواطؤ السعودية في ذلك، كي تداري فضيحة خجلها، وتمرّر العاصفة، ولو على حساب أرزاقها وقوت شعبها، يتطوّع عماد بالترفيه على هذه الكآبة بنكتةٍ قديمة، يجدّدها كي يجدد أرزاقه المهددة في ريح العاصفة، عاصفة توابع القتل والمناشير والخزي، فالرجل لا يمتلك ترف الصمت، ولا ترف اليد البطّالة، ولا ترف وقْف الحال، حال الشنطة وحال التجارة، فالرجل مصارينه كلها في السوق، والسوق لا يرحم، والكآبة تقتل أصحابها، وتقتل أيضا الخاسرين والمتردّدين وأصحاب المشاعر الحساسة، فلا بد أن يضحك الرجل، ويسوّق النكات والطُّرف، حتى وإن باتت كلها في خانة الاستظراف المقيت.
يختم عماد مقاله "عن قناة الجزيرة"، ولست في مقام الدفاع عنها، بنكتة ذلك الزوج الذي عاد إلى منزله مبكرا، فاكتشف وجود رجل في فراشه مع زوجته، فقال في ثورة: وماذا يفعل هذا الرجل في فراشي؟. ردت الزوجة في برود واستنكار: "ما تغيّر الموضوع، أنت إيش جابك قبل ميعادك؟". كي يقول إن "الجزيرة" لا تناقش الموضوع، طالما هي هكذا كما تدّعي، فلماذا تهتم أنت بها وتكتب المقالات تشتمها أنت وباقي العصابة، وكأنها الضرّة التي أفسدت على العصابة أكل العنب؟، ولمَ الاستعانة بكل هذه الطرف المرّة بكل ما فيها من خيانة وخداع؟
واضح أن الرجل تشغله مسألة الخيانة في حله وترحاله، إلى درجة أنها تساعده على كتابة المقالات والسفر، وتحل له لحظات الضيق والخيبة والانكسار، كنافذة مريحة للنسيان.
هذا موسم كساد الشنط، وموسم حساب الخسائر لحامليها وعشّاقها في وطننا العربي من أهل الكتابة، لصد هول الأزمة التي ألقت بشبحها على الرؤوس والظهور والرقاب والقرون أيضا، وعماد يتحايل على الأزمة بالحكايات والطرف، لكن الطرفة ارتدت إليه هذه المرة.
الرجل يلاطف بؤس الحال، ويحاول جاهدا الخروج منه، تخفيفا للفضيحة، وتخفيفا وتهوينا من أمر الأزمة التي فعلها الصغار على الكرسي بليل، ظنا أن الأمور كلها تمر من "باب الفتوح"، كما تمر الجمال والجيوش وعربات الكارو، ولكن المسعى والظن خابا، وهذا هو البؤس، حينما يستمر في المكابرة، راكبا فرسي المال والقتل.
وعماد الدين أديب يهوّن على البائسين الأزمة، بضحكاتٍ يردّها الحال إليه. خليك في الموضوع يا سمسم.