هل انتهت مرحلة "معركة بين الحروب"؟

هل انتهت مرحلة "معركة بين الحروب"؟

10 نوفمبر 2018
+ الخط -
"معركة بين الحروب" استراتيجية عسكرية، عكف الجيش الإسرائيلي على تطبيقها في السنوات الأخيرة، وتعتمد على شن معارك محدودة ضد الخصوم، للحؤول دون اندلاع حرب شاملة، وتشمل عمليات اغتيال لشخصيات وقادة عسكريين، وهجمات على شحنات السلاح، وغارات جوية تستهدف أهدافاً محدّدة للعدو. وضمن هذا الإطار، تدخل عمليات الاغتيال لمسؤولين في حزب الله اللبناني في السنوات الأخيرة ومسؤولين فلسطينيين، وعمليات القصف التي قام به سلاح الجو الإسرائيلي ضد شحنات سلاحٍ تزعم إسرائيل أنها كانت في طريقها من سورية إلى حزب الله في لبنان، ومهاجمة أهداف تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، والغارات الجوية ضد ما يسميه الإسرائيلون التمركز الإيراني في سورية.
ولكن، منذ وقت بدأ يتضح أن هذه الاستراتيجية استنفدت نفسها، وأنها لم تعد تتلاءم مع الظروف التي تسود حالياً الجبهتين الشمالية والجنوبية. فإذا أخذنا مثلاً المواجهة بين إسرائيل وحزب الله نجد أن تهديدات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيرا، بشأن وجود مراكز للصواريخ الدقيقة بالقرب من المطار الدولي في بيروت، لم تتعد نطاق التهديدات الكلامية والإعلامية. وفي الحقيقة، تعود آخر مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله إلى العام 2014، عندما أغارت الطائرات الإسرائيلية على شحنة سلاح للحزب داخل الأراضي اللبنانية، ورد عليها الحزب بعمليةٍ ضد الجنود الإسرائيليين في مزارع شبعا. ومنذ ذلك الحين، رسا نوع من توازن ردع، على الرغم من ادّعاء رئيس الأركان الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، قيام الجيش بعمليات "سرية" لمنع حزب الله من امتلاك قدرات صاروخية دقيقة. والراهن اليوم أن "المعركة بين الحروب" ضد تعاظم قوة حزب الله العسكرية تدور فقط على الصعيد الإعلامي والتصريحات لا غير.
أما الجهود العسكرية الإسرائيلية لكبح التمركز الإيراني في سورية فيبدو أنها تواجه مأزقاً حقيقياً منذ أزمة إسقاط الطائرة الروسية في سورية، واتهام الروس إسرائيل بأنها هي وراء الحادث، وتزويدهم الجيش السوري ببطاريات دفاع جوي متقدم من طراز إس 300، وتحذيرات المسؤولين الروس المتكرّرة لإسرائيل، وجديدها تصريح وزير الخارجية، سيرغي لافروف، يوم الإثنين الماضي، بأن نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء سورية "لا يحل مشكلات إسرائيل، بل يزيد التوترات في المنطقة".
وبالفعل، منذ الأزمة مع روسيا، لم تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية خبر غارات جديدة على 
أهدافٍ في سورية. وعلى الرغم من تصريحات وزير الدفاع بأن إسرائيل تواصل نشاطها في الأجواء السورية، وترفض فرض قيود عليها. يأتي هذا على الرغم من تناقل وسائل إعلام عربية خبر قيام إسرائيل بغارة على سورية، بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية، من أجل اختبار ردة فعل الروس. ولكن عملياً توقفت وتيرة الهجمات الجوية الإسرائيلية التي لم يكن يمر شهر من دون حدوثها. وبحسب أكثر من مصدر إسرائيلي، لا تزال أزمة سقوط الطائرة الروسية ترخي بظلالها على العلاقات بين إسرائيل وروسيا، ما يدفع إلى استنتاج أن عهد الغارات الإسرائيلية في أجواء سورية على وشك الانتهاء.
بقيت الجبهة الإسرائيلية في مواجهة غزة. هنا أيضاً تبرز مؤشّرات عديدة إلى أنه على الرغم من الأصوات الإسرائيلية العالية التي تطالب بعملية عسكرية لوقف أعمال العنف وإطلاق الصواريخ من حين إلى آخر من غزة في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للسياج، يبدو أن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق ليست مطروحة الآن. لا على العكس ثمّة توجّه إسرائيلي واضح نحو التوصل إلى تسويةٍ بعيدة الأمد مع حركة حماس، وإيجاد حل للضائقة الإنسانية لسكان القطاع. ويبدو حالياً أن العمل على هذه التسوية يجري على قدم وساق، بدعم مالي من قطر، واستخباراتي من مصر، وأممي من خلال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف.
على الرغم من هذا كله، ليس أكيداً أن استراتيجية "معركة بين الحروب" قد ذهبت إلى غير رجعة، فأسلوب الاغتيالات الذي ميز هذه الاستراتيجية لا يزال أداة تستخدمها إسرائيل وتهدد بها (جديد هذه التهديدات المبطنة نقلته وسائل إعلام إسرائيلية كانت موجهة إلى الابن البكر لعماد مغنية، وشقيق عماد مغنية الذي تتهمه إسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية لحزب الله في الجولان، والتهديد المبطن الموجه ضد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، زياد النخالة).
الراهن حالياً أن هذه الاستراتيجية معلقة مؤقتاً في انتظار ما ستفسر عنه الوساطات العربية للتوصل إلى تسوية مع "حماس"، وزوال الغضب الروسي على إسرائيل، والأهم التطورات التي قد تطرأ على الوضع برمته، في حال أعلنت إدارة ترامب رسمياً بعد الانتهاء من الانتخابات النصفية عن بنود خطة "صفقة القرن".
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر