العرب يسدّدون فواتير إيران

العرب يسدّدون فواتير إيران

09 نوفمبر 2018
+ الخط -
لم يسبق لأي عقوباتٍ دولية على إيران أن انعكست بالإيجاب على العرب. تستفيد من العقوبات كل من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وإسرائيل، لكن الدول العربية المعنية بالنزاعات مع هذه الجارة، ذات النزعات التوسعية، لم تعرف أي تراجعٍ للتهديدات الإيرانية المستمرة والمتنامية ضد سورية والعراق واليمن ولبنان وبعض بلدان الخليج العربي.
يفرضون عقوباتٍ على إيران من أجل ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي، بغرض منعها من التوصل إلى صناعة سلاح نووي يخلّ بالتوازن الاستراتيجي القائم في المنطقة، والذي ترجّح كفته لصالح إسرائيل. هم يعرفون أن إيران لن تستخدم السلاح النووي ضد إسرائيل، ولكن يريدون أن يبقى السلاح النووي حصريا بيد إسرائيل، وأن لا تصبح إيران من بين الدول التي تمتلك سلاح الردع الذي يجنّبها احتمال شن حربٍ خارجيةٍ ضدها تقوّض النظام الحاكم.
هناك معزوفةٌ دارجةٌ بصوتٍ عالٍ في الإعلام. الغربيون يتذرعون بأمن إسرائيل، وإسرائيل تستثمر هذه البدعة، وإيران تسوّقها وتتفاخر بها على العرب، وتحمّلهم منّةً على أنها تحارب عدوهم الأول. وفي هذا المزاد المفتوح، وحدهم العرب "مثل السفينة بلا قبطان يلعب بها الموج سباحة" على حد تعبير المرحوم فهد بلان. وهم منقسمون بين المعسكرات، فبعضهم يصفّق لواشنطن وبقية أطراف العقوبات، وآخرون يشجعون طهران، ويقفون إلى جانبها من باب الممانعة، أو يمد لها اليد تحت الطاولة، كما كانت تفعل دبي التي شكّلت منفذا لحوالي نصف تجارة إيران مع الخارج خلال العقوبات السابقة التي سبقت الاتفاق النووي في يوليو/ تموز 2015، وكانت مفروضة من مجلس الأمن، والتزمت بها حتى روسيا والصين.
جاء الاتفاق النووي بعد 22 شهرا من المفاوضات بين إيران ودول 5+1، كي يرفع العقوبات عن إيران، ويمنحها مليارات الدولارات التي تقول إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنها تستخدمها في تعزيز نفوذها الخارجي، وزعزعة الاستقرار في المنطقة. وما كان لهذا الاتفاق أن يتم لولا الضغط الكبير الذي مارسته إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي تحوّل وزير خارجيته، جون كيري، إلى محامي دفاع عن مصالح إيران بوجه نظرائه من فرنسا وبريطانيا اللتيْن ظلتا تعارضان توقيع الاتفاق حتى اللحظة الأخيرة.
وإذا أخذنا بقول ترامب، فإن إدارة أوباما ساعدت إيران على تعزيز نفوذها الخارجي، وتقويض استقرار المنطقة، والمقصود من ذلك المنطقة العربية، وليس إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أضافت إيران إلى مناطق نفوذها العربي اليمن، وقبل ذلك سلمها أوباما العراق، وتركها تقمع ثورة الشعب السوري، وتستبيح سورية، وتطلق العنان للمليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق، وحتى أفغانستان وباكستان، لتواجه المعارضة السورية المسلحة، وتدافع عن النظام في دمشق من منظور طائفيٍّ بحت.
إدارة ترامب صادقة في عقوباتها على إيران، لكنها لا تفعل ذلك لأنها حريصة على المنطقة، وإنما هي تتلقى المقابل المالي لموقفها من دولٍ في الخليج، وتحديدا السعودية التي تعتقد أن هذه العقوبات سوف تحميها من الخطر الإيراني الزاحف الذي استحكم بقوة في جوارها اليمني.
البديل لهذا الضحك على ذقون العرب هو أن يكون هناك مشروع عربي يجبر إيران، وغيرها، على احترام حدود السيادة العربية في سورية والعراق واليمن ولبنان، والكفّ عن التلاعب بمصير العرب. ولا يتم هذا المشروع بالتعاون مع إسرائيل أبدا، وإنما بالاعتماد على الذات. وغني عن القول إن هذه العقوبات لن تكون ذات مفعول كبير، ولن توقف مشاريع طهران التوسعية في العالم العربي، لأن إيران صاحبة تجربةٍ طويلةٍ في التحايل على العقوبات من جهة، ومن جهة ثانيةٍ، يؤكّد خبراء في الشأن الإيراني أنها تمتلك حاليا احتياطيا نقديا يصل إلى 115 مليار دولار، يمكّنها من مواجهة العقوبات، حتى تجد آليةً ثابتةً للتهرّب منها.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد