لغز تضخيم غزة

لغز تضخيم غزة

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
العمل الذي يجري اليوم على تصدير غزة في واجهة الواقع الفلسطيني، ومحاولة وضعه في أولوية الحسابات السياسية والإنسانية على حد سواء، ومحاولات تضخيمه ليحتل المساحات الأوسع في خريطة التوازنات السياسية، فلسطينياً وإقليمياً، ليصبح إحدى أحجار الرحى في الاستقطاب الدولي، من باب إدارة ملفات الصراع في المنطقة، قد يعتبره بعضهم لغزاً محيّراً، إلا أنه في الحقيقة لعبة سياسية مكشوفة، فغزة ليست جوهر الصراع في الواقع السياسي الفلسطيني، لكن يُراد لها أن تكون كذلك في هذه المرحلة، بحيث يحاولون جمع كل خيوط القضية، لتتشابك ملفاتها وتتداخل مع بعضها بعضاً، لتلتقي في غزة، فقضايا كالمصالحة الفلسطينية، والتهدئة مع العدو، والحصار وأشكاله المتفردة وامتداداته الدولية، وسلاح المقاومة ودورها، ومصادرة الرئيس محمود عباس الشرعيات الفلسطينية، وأسهم أخرى، تكدست جميعها في كنانة غزة.
ولم تعد الأهداف تخفى على أحد، فقضية مهمة جدا كالقدس التي تحولت إلى عاصمة كيان العدو، والضفة الغربية (مركز الصراع) التي تم ابتلاعها وتحويل التجمعات الفلسطينية فيها إلى جزر ومعازل محاصرة بالحواجز والطرق الالتفافية والجدران العازلة، كلها قضايا لا يراد لها أن تبرز، لأنها إن برزت، فستتحول إلى بوصلة يلتف حولها الجميع، ويتضح العدو من الصديق.
لذا يتم استبدال كل هذا الوجع الذي عليه إجماع بقضية غزة التي يلقون بها في خضم لجج الفرقة والخلاف. ويمكن استعراض حالة من حالات تصدير غزة في واجهة الواقع الفلسطيني في المحافل الدولية، فإعطاء المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، حصة الأسد لغزة في التقرير الشهري الذي أحاط به مجلس الأمن الدولي في جلسة عن الشرق الأوسط، الخميس 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في تجاهل واضح لواقع الحال السيء الذي تمر به التجمعات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية، وفي مقدمتها منطقة الخان الأحمر، هو خير دليل على ذلك.
بل وتجاوز ملادينوف، في إفادته، لغة سرد المعطيات والمعلومات إلى المبالغة في تصوير المشهد ليطلق المناشدات والنداءات لـما يسميه "منع الانفجار" في قطاع غزة، ليواصل دق الناقوس الذي بدأه منذ زمن، لصرف الانتباه عن القضايا الأخرى.
ولأن ملادينوف يعزف على وتر السياسة الصهيونية، فهو سيبقى يحذر من خطر انفجار القطاع، لأنها جبهة يخشاها العدو، متجاهلا الأوضاع في القدس والضفة، لأنه لا خطر من انفجارها في ظلّ القمع الأمني المشدّد الذي تتعرضان له من السلطة والاحتلال على حد سواء.
وبعد أن يدغدغ المشاعر بمعاناة غزة ويضخمها ويضعها في صدار تقريره، يذكر على الهامش، ومن باب الضرورة، وعلى استحياء أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية مع غزة واللاجئين في المنطقة، قائلا إنهم يستحقون حلولاً عادلة ودائمة.
الصورة الضبابية التي باتت تسيطر على أعين كثيرين وأفهامهم، وصلت ببعضهم لتصوير النجاح في كسر الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة منذ نحو 12 سنة انتصارا، وهو كذلك، وأنّ الحصار بات خلف ظهرنا، متناسين أنّ القدس والضفة أضحت خلف ظهرنا كذلك.
وفي زحمة لعبة التضليل والتقزيم والتضخيم للقضايا والأولويات الفلسطينية، ينشغل بعضهم في جزئيات المسرحية عن رؤية الأيدي الخفية للعدو التي ترسم حدود المشهد، وعن خيوطه المخفية في توجيه البوصلة بما يخدم مصالحه في ابتلاع الأرض وانهاء القضية.
فما إدخال حركة حماس إلى لعبة الانتخابات 2006، وما استدراجها إلى مربع الدم في 2007 للسيطرة على قطاع غزة، إلا مشاهد في كتاب المؤامرة والمأساة التي تتوالى فصولا من الحصار إلى الاستنزاف إلى الحروب إلى تدمير المقدرات وقلب سلم الأولويات، وتجريف القيم والثوابت الوطنية، لتصبح العمالة وجهة نظر، كما قال الشهيد أبو إياد، ويصبح التعاون الأمني مع العدو مقدّساً، ويصبح الضمان الاجتماعي مقدماً على مصادرة العدو القبلة الأولى والحرم الابراهيمي، وذلك كله تحت راية المصلحة الوطنية العليا التي بات العدو يرسم لنا حدود معالمها.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)