أفلتوا من العقاب

أفلتوا من العقاب

05 نوفمبر 2018
+ الخط -
أما وأن مرتكبي 90% من جرائم القتل العمد ضد الصحافيين، في العقد الماضي، أفلتوا من العقاب، فإن من شديد الإلحاح على الضمير الإنساني أن لا يُضاف إليهم الذين اقترفوا جريمة إرهاب الدولة التي قضى فيها جمال خاشقجي. وإذ استذكَرت الأمم المتحدة، أخيرا، وهيئاتٌ ومنظماتٌ عالميةٌ معنيةٌ بالدفاع عن الصحافيين، جرائم تنوّعت في كل الأرض، بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحافيين، يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، فإن لهذه المناسبة هذا العام خصوصيّتها، بالنظر إلى فظاعة جريمة القنصلية السعودية في اسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإلى الانشداد العالمي العريض إليها، فضلا عن الضغط القوي في العالم من أجل أن ينال منفّذوها ومن أمروا بها العقوبة الغليظة المستحقّة.
وتوجِب مناسبة اليوم العالمي هذا، والذي اختارته الأمم المتحدة، يوم قتل صحافييْن فرنسيين في مالي، في جريمةٍ فعلها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، في العام 2013، توجِب تذكّر مئاتٍ من الصحافيين، استهدفتهم جرائم القتل والتغييب والتعذيب والسجن وغيرها، وكذا الالتفات إلى أن ثلث الصحافيين الذين قتلوا في العالم قضوا في المنطقة العربية، 55% منهم خارج مناطق النزاعات المسلحة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو). ولأن الأمر كذلك، مسوّغٌ هنا التأشيرُ إلى قلة أوزاننا، نحن العرب، في العالم، ففيما حظي الصحافي الفرنسي غيزلان ديبون وزميلته كلود فيرلون، بالتكريم العالمي في اختيار يوم قتْلهما يوما عالميا للمشتغلين في الصحافة، فإن صحافيين عربا عديدين، وأجانب في بلادنا، استهدفَهم الرصاص المتعمّد والتعذيب القاتل والتغييب القسري، وغيرها من جرائم، اقتُرف بحقهم النسيان أيضا، فلم تحظ أسماؤهم بما تستحقّ من تذكيرٍ دائمٍ بها، بل ومن تكريمٍ أيضا، سيما الذين قضوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وهذه مناسبةٌ لتذكّر جريمة إفلات قاتل الصحافي البريطاني، جيمس ميللر (35 عاما)، الذي قضى، وهو يصوّر تدمير منزل في مخيم رفح، يوم 2 مايو/ أيار 2003، برصاصةٍ صوّبها  إلى عنقه جنديٌّ إسرائيلي، فيما كان الضحيّة يرفع علما أبيض. وقد أثبت تحقيقٌ بريطاني نيّة القتل العمد في الجريمة، غير أن تحقيق الجيش الإسرائيلي منح الجندي القاتل براءةً. وتُشبه الحالةَ نفسَها جريمة قتل الإيطالي، رفائييل تشيريللو (42 عاما)، في 13 مارس/ آذار 2002، وهو يلتقط، في أثناء عدوانٍ إسرائيلي، صور فوتوغرافية في مخيم قدّورة. وفي البال أن أكثر من عشرة إعلاميين فلسطينيين تعمّد جيش الاحتلال قتلهم في أثناء حروبه العدوانية على قطاع غزة، انضمّوا إلى نحو عشرين غيرهم، أفلت قتلتُهم الإسرائيليون من أي عقاب، ومن هؤلاء الشهداء فضل شناعة وجميل نواورة وأحمد نعمان.
وفي المناسبة العالمية نفسِها، تذيع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أخيرا، أن 689 صحافيا وإعلاميا قتلوا منذ اندلع النزاع في سورية في 2011، الأمر الذي يدلّ على بؤسٍ راهنٍ في هذا البلد، سيما أنه إذا كانت المسؤولية عن اقتراف جرائم القتل العمد لأغلب هؤلاء الزملاء على جيش النظام الذي صار مليشيا، فإن آخرين قضوا في جرائم اقترفتها عصاباتُ الإرهاب وخفافيشُه السوداء أيضا. ويحسُن هنا تذكّر رامي السيد، مصوّر البث المباشر، الذي قتلته قذيفةٌ لجيش النظام في أثناء محاولته إسعاف جرحى في حمص، في 12 فبراير/ شباط 2012. وفي الشهر نفسه، قتل الجيشُ نفسه، في حمص أيضا، الصحافية الأميركية، ماري كولفن، وزميلها الفرنسي ريمي أوشليك. وفي تلك الغضون، أبلغت الفرنسية، إديث بوفييه، صحيفتها "لوفيغارو"، إن الصحافيين مستهدفون في سورية بشكل مباشر.
وللبحرين نصيبٌ ثقيلٌ في إفلات مجرمي استهداف الصحافيين، فقد قضى تحت التعذيب في سجنٍ هناك المدوّن الناشر، عبد الكريم فخراوي، في 11 إبريل/ نيسان 2011، وتبعه في سجن آخر تحت التعذيب في الشهر نفسه، المدوّن زكريا العشيري. كما قُتلت الإعلامية، إيمان صالحي، بطلق ناري، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، من عسكري، أفلت من العقاب، ولم يُحاكم، وثمّة غير هؤلاء، كما ثمّة عشرات الصحافيين في السجون.
أرشيفٌ عربي مثقلٌ بالصحافيين الذين أفلت قتلتهم من العقاب، كما أجانب كثيرون (لا تُنسى المالطية كاروانا عاليزيا)، من الملحّ كثيرا أن لا يُضاف إليهم جمال خاشقجي.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.